خلق في الدّنيا وبكلّ خلق في الاخرة وفي السّماء بكلّ واحد ألفي الف حسنة ، ومحا عنه مثل ذلك ولم يصبه فقر ولا غرم ولا هدم ولا نصب ولا جنون ولا جذام ولا وسواس ولا داء يضرّه ، وخفّف الله عنه سكرات الموت وأهواله وولّى قبض روحه ، وكان ممن يضمن الله له السّعة في معيشته والفرح عند لقائه والرضا بالثواب في آخرته ، وقال الله تعالى لملائكته أجمعين من في السماوات ومن في الأرض : قد رضيت عن فلان فاستغفروا له.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(يس) قد مضى في اوّل البقرة وفي غيرها ما يكفى لبيانها ، وقد ورد في الاخبار انّ يس ونون من أسماء محمّد (ص) ، وقيل هاهنا : انّ يس معناه يا إنسان بلغة طىّ ، وقرئ يس ونون بإظهار النّون في الوصل على الأصل ، وقرئ بإدغام النّون في الواو على خلاف الأصل ، وقرئ بكسر النّون بناء كجير ، وبفتحها بناء كأين ، أو بإضمار حرف القسم ومنع الصّرف وبالضّمّ بناء كحيث ، أو اعرابا على تقدير هذه يس (وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ) اقسم تأكيدا واقسم بالقرآن تفخيما له ليكون دليلا على رسالته لانّ رسالته بالقرآن ، وكون القرآن حكيما لاشتماله على دقائق العلوم بل دقائق العمل (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) وهو الولاية التّكوينيّة والتّكليفيّة وهي الطّريق المستقيم الى كلّ خير والطّريق الموصل الى الله وهذه الكلمة تثبيت له (ص) على ما هو عليه ولامّته وردع لمنكريه (تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) قرئ بالرّفع خبرا لمحذوف اشارة الى القرآن وكون التّنزيل بمعنى المنزل ، أو اشارة الى التّنزيل المشهود له ، وقرئ بالنّصب مصدرا لفعله المحذوف أو مفعولا لا عنى أو امدح محذوفا ، وقرئ بالجرّ على البدل من القرآن ، وأضاف التّنزيل الى العزيز الرّحيم رفعا لخوفه عن غيره وتقوية لخوفه ورجائه منه (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ) عن الله وعقابه وثوابه وامره ونهيه ، وفي خبر منسوب الى الصّادق (ع) اشعار بانّ المعنى لتنذر بولاية أمير المؤمنين (ع) فهم غافلون عنها وذلك انّ الولاية غاية الرّسالة وأصل جملة الأحكام والوعدات والوعيدات (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ) بدخول النّار أو بالعذاب (عَلى أَكْثَرِهِمْ) وفي الخبر المذكور انّه قال : ممّن لا يقرّون بولاية علىّ أمير المؤمنين (ع) والائمّة من بعده (ع) (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) بولاية علىّ (ع) بالبيعة على يده أو أيدي خلفائه (ع) ، وفي ذلك الخبر انّه قال بولاية أمير المؤمنين (ع) والأوصياء من بعده فلمّا لم يقرّوا كانت عقوبتهم ما ذكر الله (إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً) هي صور أعمالهم أو جزاء أعمالهم بناء على تجسّم الأعمال وجزاء العامل بصورة اخرى اخرويّة مناسبة لصورة الأعمال المجسّمة ، والإتيان بالماضي امّا لتحقّق وقوعه أو للاشارة الى انّ الأغلال تكون في أعناقهم في الدّنيا لكن مداركهم خدرة لا يدركونها وذلك انّ الأغلال الاخرويّة مأخوذة من الأخلاق الدّنيويّة وهي في الدّنيا محيطة بهم وفي الآخرة تظهر بصورة الأغلال (فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ) لسعتها واحاطتها بجميع أبدانهم (فَهُمْ مُقْمَحُونَ) اقمح الغلّ الأسير ، ترك رأسه مرفوعا لضيقه (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) يعنى من جهة دنياهم أو من جهة آخرتهم (سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ