وقد ورد عن الباقر (ع) انّه قال : بل فينا ضرب الله الأمثال في القرآن فنحن القرى الّتى بارك الله فيها وذلك قول الله عزوجل فيمن اقرّ بفضلنا حيث أمرهم ان يأتونا فقال : وجعلنا بينهم وبين القرى الّتى باركنا فيها ، اى جعلنا بينهم وبين شيعتهم القرى الّتى باركنا فيها قرى ظاهرة ، والقرى الظّاهرة الرّسل والنّقلة عنّا الى شيعتنا وفقهاء شيعتنا وقوله سبحانه : وقدّرنا فيها السّير فالسّير مثل للعلم سير به فيها ليالي وايّاما مثل ما يسير من العلم في اللّيالى والايّام عنّا إليهم في الحلال والحرام والفرائض والأحكام آمنين فيها إذا أخذوا عن معدنها الّذى أمروا ان يأخذوا منه آمنين من الشّكّ والضّلال والنّقلة من الحرام الى الحلال ، والاخبار في هذا المعنى واردة منهم كثيرا (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ) الّذى أظهره عند قوله لاغوينّهم أجمعين وعند قوله لاضلّنّهم ولامنّينّهم (الآية).
اعلم ، انّ تنزيل هذه الآية في أهل سبا لكن تأويلها في منافقي أمّة محمّد (ص) فانّه ورد عن ابى جعفر (ع) انّه قال : لمّا أخذ رسول الله (ص) بيد علىّ (ع) يوم الغدير صرخ إبليس في جنوده صرخة لم يبق منهم أحد في برّ ولا بحر الّا أتاه فقالوا : يا سيّدنا ومولينا ، ماذا دهاك؟ فما سمعنا لك صرخة أوحش من صرختك هذه؟ ـ فقال لهم : فعل هذا النّبىّ فعلا ان تمّ لم يعص الله أبدا ، فقالوا : يا سيّدنا ان كنت لآدم ، فلمّا قال المنافقون ينطق عن الهوى ، وقال أحدهما لصاحبه : اما ترى عينيه تدوران في رأسه كأنّه مجنون ، يعنون رسول الله (ص) صرخ إبليس صرخة بطرب فجمع أولياءه فقال : اما علمتم انّى كنت لآدم من قبل؟ ـ قالوا ، نعم ، قال : نعم نقض العهد ولم يكفر بالرّبّ وهؤلاء نقضوا العهد وكفروا بالرّسول (ص) ، فلمّا قبض رسول الله (ص) واقام النّاس غير علىّ (ع) لبس تاج الملك ونصب منبرا وقعد في الزّينة وجمع خيله ورجله ثمّ قال لهم : اطربوا لا يطاع الله حتّى يقام امام ، وتلا ابو جعفر (ع) : ولقد صدّق عليهم إبليس ظنّه (الى آخر الحديث) وبهذا المضمون مع اختلاف في اللّفظ اخبار كثيرة (فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ) دفع لما يتوهّم من استقلال إبليس في تصرّفه كما توهّمته الابليسيّة والثّنويّة يعنى انّ سلطانه عليهم ليس الّا بإذننا وتسليطنا على من شئنا تسليطه عليه وليس هذا التّسليط (إِلَّا لِنَعْلَمَ) اى ليظهر علمنا أو ليظهر متعلّق علمنا (مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍ) أو لنعلم في مقام المعلوم من يؤمن بالآخرة متميّزا ممّن هو منها في شكّ (وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) دفع لما توهّم من قوله لنعلم من حصول العلم له بعد ما لم يكن يعنى لا حاجة لربّك الى هذا الامتحان فانّه على كلّ شيء حفيظ فيعلم كلّ شيء بجميع صفاته وآثاره فتسليط الشّيطان ليس الّا لظهور معلومه عليكم (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ) شركاء لله (مِنْ دُونِ اللهِ) من دون اذن الله أو حالكونهم عبادة من غير الله يعنى قل ادعوهم في حوائجكم (لا يَمْلِكُونَ) حال أو مستأنفة جواب لسؤال مقدّر (مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) فلا يملكون ولا يقدرون على جلب نفع لكم ولا على دفع ضرّ (وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ) في شيء منهما ولا في شيء ممّا فيهما يعنى لا يملكون شيئا فيهما لا بالاستقلال ولا بالشّراكة فهو بمنزلة الاضراب والتّنزّل من الصّفة العليا الى الدّنيا (وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ) اضراب من العليا الى الدّنيا أيضا كأنّه قال بل لا مدخليّة لهم فيهما بنحو المظاهرة لله (وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ) اضراب آخر كأنّه قال : بل ليس لهم شافعيّة أو مشفوعيّة عنده لأنّه لا تنفع الشّفاعة (عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) في الشّافعيّة أو في المشفوعيّة ولم يأذن لهم في الشّافعيّة أو في المشفوعيّة ، وقد سبق في مطاوى ما أسلفنا انّ الامامات وبيان الأحكام للأنام والقضاوات والأمر بالمعروف والنّهى عن المنكر واجراء التّوبة وأخذ الصّدقات وأخذ البيعة من العباد لله والرّياسات الدّينيّة كلّها نحو شفاعة عند الله وليس شيء