سورة الأحزاب
مدنيّة كلّها ، ثلاث وسبعون آية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(يا أَيُّهَا النَّبِيُ) نداء له (ص) بايّاك اعنى واسمعي يا جارة ، أو نداء له والحكم له (ص) وعلى اىّ تقدير فهو تلطّف به وتعظيم لشأنه (اتَّقِ اللهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ) قيل : نزلت في ابى سفيان وعكرمة بن ابى ـ جهل وابى الأعور السّلمى قدموا المدينة ونزلوا على عبد الله بن ابىّ بعد غزوة أحد بأمان من رسول الله (ص) ليكلّموه فقاموا وقام معهم عبد الله بن ابىّ وعبد الله بن سعد بن ابى سرح وطعمة بن ابى رقّ فدخلوا على رسول الله فقالوا : يا محمّد (ص) ارفض ذكر آلهتنا اللّات والعزّى والمناة وقل : انّ لها شفاعة لمن عبدها وندعك وربّك فشقّ ذلك على النّبىّ (ص) فقال عمر بن الخطّاب : ائذن لنا يا رسول الله (ص) في قتلهم فقال : انّى أعطيتهم الامان وامر رسول الله فأخرجوا من المدينة ونزلت الآية ولا تطع الكافرين من أهل مكّة والمنافقين من أهل مدينة (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً) جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : لا ينبغي النّهى عن اجابتهم فانّ في اجابتهم مصالح عديدة من استمالتهم وخمود نائرة الحرب وسلامة المسلمين وقوّتهم وشوكتهم بذلك ومخالطة المشركين معهم واستماع آيات الله منهم وغير ذلك فقال انّ الله كان عليما بالمصالح المترتّبة على ما ينهى عنه دونكم (حَكِيماً) دقيقا لطيفا في علمه وصنعه (وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ) دون ما يقولون لك (مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ) يا أمّة محمّد أو يا محمّد (ص) وأمّته (خَبِيراً) وقرئ بالغيبة (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) لا على ما يقولون (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) لامورك فلا تكل أمورك على مشورة غيرك (ما جَعَلَ اللهُ) جواب لسؤال مقدّر ناش عن الحصر المستفاد من قوله : لا تطع الكافرين واتّبع ما يوحى إليك كأنّه قيل : لا منافاة بين اتّباع الموحى وبين المداراة مع الكافرين واتّباع ما يشيرون اليه فقال : ما جعل (لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) يحبّ ويتّبع الله بهذا ويحبّ ويتّبع بذاك الكافر ، وقيل : نزلت في ابى معمّر حميد بن معمّر بن حبيب الفهرىّ وكان لبيبا حافظا لما يسمع وكان يقول : انّ في جوفي لقلبين اعقل بكلّ واحد منهما أفضل من عقل محمّد (ص) ثمّ انهزم يوم بدر مع من انهزم وإحدى نعليه في يده والاخرى في رجله ، فقيل له في ذلك فقال : ما شعرت الّا انّهما في رجلي فعرفوا يومئذ انّه لم يكن له الّا قلب واحد وعن علىّ (ع) انّه : لا يجتمع حبّنا وحبّ عدوّنا في جوف إنسان انّ الله لم يجعل لرجل قلبين في جوفه ، فيحبّ بهذا ويبغض بهذا ، وعن الصّادق (ع) فمن كان قلبه متعلّقا في صلوته بشيء دون الله فهو قريب من ذلك الشّيء بعيد عن حقيقة ما أراد الله منه في صلوته ، ثمّ تلا هذه الآية (وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ) زعمت العرب انّ من قال لزوجته : أنت علىّ كظهر أمّي صارت زوجته كأمّه في حرمة المواقعة فقال تعالى ردّا عليهم : ما جعل أزواجكم (الآية) (وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ) الدّعىّ كالغنىّ من تبنّيته فعيل بمعنى