شكرها ، وفي خبر اوحى الله عزوجل الى موسى (ع) : يا موسى اشكرني حقّ شكري فقال : يا ربّ وكيف أشكرك حقّ شكرك وليس من شكر أشكرك به الّا وأنت أنعمت به علىّ؟ ـ قال : يا موسى الآن شكرتني حين علمت انّ ذلك منّى.
شرح في أحوال لقمان
وعن الصّادق (ع) انّه سئل عن لقمان وحكمته الّتى ذكره الله عزوجل فقال : اما والله ما اوتى لقمان الحكمة بحسب ولا مال ولا أهل ولا بسط في جسم ولا جمال ولكنّه كان رجلا قويّا في امر الله مستودعا في الله ساكتا سكّيتا عميق النّظر طويل الفكر حديد النّظر مستغن بالعبر لم ينم نهارا قطّ ولم يره أحد من النّاس على بول ولا غائط ولا اغتسال لشدّة تستّره وعمق نظره وتحفّظه في امره ولم يضحك من شيء قطّ مخافة الإثم ، ولم يغضب قطّ ولم يمازح إنسانا قطّ ، ولم يفرح بشيء أتاه من امر الدّنيا ولا حزن منها على شيء قطّ ، وقد نكح من النّساء وولد له الأولاد الكثير وقدّم أكثرهم افراطا فما بكى على موت أحد منهم ، ولم يمرّ برجلين يختصمان أو يقتتلان الّا أصلح بينهما ، ولم يمض عنهما حتّى تحابّا (أو تحاجزا) ولم يسمع قولا قطّ من أحد استحسنه الّا سأل عن تفسيره وعمّن اخذه فكان يكثر مجالسة الفقهاء والحكماء وكان يغشى القضاة والملوك والسّلاطين فيرثي للقضاة ممّا ابتلوا به ، ويرحم الملوك والسّلاطين لغرّتهم وطمأنينتهم في ذلك ، ويعتبر ويتعلّم ما يغلب به نفسه ويجاهد به هواه ويحترز به من الشّيطان ، وكان يداوي قلبه بالتّفكّر والعبر وكان لا يظعن الّا فيما ينفعه ، ولا ينظر الّا فيما يعينه ، فبذلك اوتى الحكمة ومنح العصمة وانّ الله تبارك وتعالى امر طوائف من الملائكة حين انتصف النّهار وهدأت العيون بالقائلة فنادوا لقمان حيث يسمع ولا يراهم ، فقالوا : يا لقمان هل لك ان يجعلك الله خليفة في الأرض تحكم بين النّاس؟ ـ فقال لقمان : ان أمرني ربّى بذلك فالسّمع والطّاعة لانّه ان فعل بى ذلك أعانني عليه وعلّمنى وعصمنى ، وان هو خيّرنى قبلت العافية ، فقالت الملائكة : يا لقمان لم قلت ذلك؟ ـ قال : لانّ الحكم بين النّاس باشدّ المنازل من الدّين وأكثر فتنا وبلاء وما يخذل ولا يعان ويغشاه الظّلم من كلّ مكان وصاحبه منه بين أمرين ، ان أصاب فيه الحقّ فبالحرىّ ان يسلم ، وان اخطأ أخطأ طريق الجنّة ، ومن يكن في الدّنيا ذليلا ضعيفا كان أهون عليه في المعاد من ان يكون فيه حكما سريّا شريفا ، ومن اختار الدّنيا على الآخرة يخسرهما كلتيهما تزول هذه ولا يدرك تلك ، قال : فعجبت الملائكة من حكمته واستحسن الرّحمن منطقه ، فلمّا امسى وأخذ مضجعه من اللّيل انزل الله عليه الحكمة فغشّاه بها من قرنه الى قدمه وهو نائم وغطّاه بالحكمة غطاء فاستيقظ وهو احكم النّاس في زمانه ، وخرج على النّاس ينطق بالحكمة ويبثّها فيهم قال : فلمّا اوتى الحكم بالخلافة ولم يقبلها امر الله عزوجل الملائكة فنادت داود (ع) بالخلافة فقبلها ولم يشترط فيها بشرط لقمان (ع) فأعطاه الله عزوجل الخلافة في الأرض وابتلى فيها غير مرّة كلّ ذلك يهوى في الخطاء ويقيله الله تعالى ويغفر له ، وكان لقمان يكثر زيارة داود (ع) ويعظه بمواعظه وحكمته وفضل علمه ، وكان داود يقول له : طوبى لك يا لقمان أوتيت الحكمة وصرفت عنك البليّة ، واعطى داود الخلافة وابتلى بالحكم والفتنة ، ولمّا كان الحكمة لا تحصل الّا بمعرفة امام الزّمان فسّرها الصّادق (ع) بمعرفة امام زمانه ، ولمّا كانت لا تحصل بحسب جزءها العلمىّ الّا بالفهم والعقل فسّرها الكاظم (ع) بالفهم والعقل ، وقد ذكر من حكم لقمان ووصاياه لابنه وغيره في المفصّلات من أراد فليرجع إليها (وَإِذْ قالَ) عطف على قوله تعالى لقد آتينا فانّه في معنى اذكر إذ آتينا لقمان الحكمة وإذ قال (لُقْمانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ) قدّم من مواعظه وآثار حكمته النّهى عن الإشراك لانّ التّوحيد أصل جملة المواعظ وأساس جميع أنواع الحكم (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) لانّه لا يغفره الله ويغفر ما دون ذلك فانّ ظلم العبد لنفسه بتقصيره في حقوق الله يغفره الله ، وظلمه لغيره في ماله أو بدنه أو عرضه لا يدعه الله لكن ليس لا يغفره الله فانّه بعد المقاصّة مغفور بخلاف الشّرك فانّه ناش من انانيّة النّفس وما دام للنّفس انانيّة لا يغفرها الله ، فأعظم أقسام الظّلم هذا القسم (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ) يعنى وصّيناه بالإحسان إليهما فانّ هذه العبارة مستعملة