سورة الرّوم
مكّيّة كلّها ، وقيل : سوى قوله : فسبحان الله حين تمسون (الآية) وهي ستّون آية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ) اى ادنى أرضهم من ارض فارس أو ارض العرب (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) قرئ الفعلان مبنيّين للمفعول ، وقرئ الاوّل مبنيّا للمفعول والثّانى مبنيّا للفاعل وهي القراءة المشهورة ، وقرئ بالعكس ، قيل : انّ الفرس غزت الرّوم فوافوهم باذرعات وقيل : بالجزيرة فغلبوا عليهم وبلغ الخبر مكّة ففرح المشركون وشمتوا بالمسلمين وقالوا : أنتم والنّصارى أهل كتاب ونحن وفارس أمّيّون ، وقد ظهر إخواننا على إخوانكم وليظهرنّ عليكم ، فنزلت ، وفي خبر : انّ رسول الله (ص) بعد ما هاجر الى المدينة وأظهر رسالته كتب كتابا الى ملك الرّوم وكتابا الى ملك فارس فعظّم ملك الرّوم كتاب الرّسول (ص) وعظّم رسوله ، وأهان ملك فارس كتابه (ص) وأهان برسوله ، وكان بين الرّوم والفرس مقاتلة فغلبت الفرس الرّوم فساء ذلك المسلمين لما كانوا احبّوا ملك الرّوم وأبغضوا ملك الفرس ، فنزلت الآية : الم غلبت الرّوم يعنى غلبتها فارس في ادنى الأرض وهي الشّامات وما حولها وهم يعنى فارس من بعد غلبهم الرّوم سيغلبون يعنى يغلبهم المسلمون (فِي بِضْعِ سِنِينَ) وهي ما بين الثّلاث الى العشر فلمّا غزا المسلمون فارس وافتتحوها فرح المسلمون بنصر الله عزوجل قيل : أليس الله عزوجل يقول في بضع سنين وقد مضى من نزول الآية سنين عديدة حتّى افتتح المسلمون في إمارة عمر فارس؟ ـ فقال الامام : الم أقل لك انّ لهذا تأويلا وتفسيرا والقرآن ناسخ ومنسوخ اما تسمع لقول الله عزوجل (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) يعنى اليه المشيّة في القول ان يؤخّر ما قدّم ويقدّم ما أخّر في القول الى يوم تحتّم القضاء بنزول النّصر فيه على المؤمنين ، وبناء ما ذكر على قراءة الفعلين مبنيّين للمفعول ، وروى عن أهل البيت (ع) انّ قوما ينسبون الى قريش وليسوا من قريش بحقيقة النّسب ، وهذا ممّا لا يعرفه الّا معدن النّبوّة وورثة علم الرّسالة وذلك مثل بنى أميّة ذكروا انّهم ليسوا من قريش وانّ أصلهم من الرّوم وفيهم تأويل هذه الآية الم غلبت الرّوم معناه انّهم غلبوا على الملك وسيغلبهم على ذلك بنو العبّاس ، وبناء هذا على قراءة غلبت مبنيّا للفاعل وسيغلبون مبنيّا للمفعول.
اعلم ، انّ القرآن كما سبق في الفصل الحادي عشر والثّانى عشر في اوّل الكتاب ذو وجوه بحسب معانيه وذو وجوه بحسب ألفاظه وقراءاته ، وانّه يجوز ان يكون مرادا بجميع وجوهه ومنزلا بجميع قراءاته وانّه كثيرا ما يختلف المعاني والوجوه اختلافا تامّا مؤدّيا الى ارادة الضّدّين من اللّفظ بحسب حقائقه ومجازاته وتعريضاته وكناياته فعلى هذا صحّت التّفسيرات المختلفة الّتى وردت عنهم (ع) باعتبارات القرائات الثّلاث وصحّ تفسير الرّوم ببني أميّة بناء على تشبيههم باهل الرّوم في الكثرة ، أو في الاهتمام بالدّنيا واعتباراتها ، أو في أخذ المذهب محض الرّسم والملّة ، أو في اختلاف المذاهب وكثرتها ، وصحّ تفسيره باهل المودّة والسّلامة ، وصحّ تفسيره بملك النّفس واهويتها المتضادّة المتخالفة ، وعلى هذا