وبالأنبياء والأولياء (ع) وبكلّ مطيع لله ولرسوله (ص) ، وقد فسّر وجه الله في اخبار كثيرة بالأنبياء والائمّة (ع) وبدين الله وبمن أطاع الله ورسوله (ص) ، إذا عرفت هذا فاعلم انّ الحدود والتّعيّنات اعتباريّات محضة لا وجود لها حقيقة وانّما الوجود والبقاء لتلك اللّطيفة ، ولذلك قيل : الأعيان الثّابتة ما شمّت رائحة الوجود أبدا وانّما هي باقية على ما هي عليه من انّها ليست موجودة من ذواتها وانّما الوجود لتلك اللّطيفة بالذّات ولها بالعرض فهي اى الأشياء المتكثّرة الممتازة الّتى هي عين تلك الحدود هالكة اى غير موجودة من الأبد الى الأزل وتلك اللّطيفة موجودة من الأبد الى الأزل فالباقي من كلّ شيء هو تلك اللّطيفة ، والهالك كلّ ما سواها من الحدود والاعتبارات (لَهُ الْحُكْمُ) لا لغيره لانّ غيره هالك (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) لا الى غيره والضّميران المجروران صحّ رجوعهما الى الوجه والى الله لانّ تلك اللّطيفة هي الحاكمة في الأشياء وعلى الأشياء وإليها يرجع وجود كلّ شيء بعد ملاحظة فناء جميع حدوده.
سورة العنكبوت
مكّيّة كلّها ، وقيل : مدنيّة كلّها ، وقيل : مكّيّة الّا عشر آيات من اوّلها
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(الم) قد مضى في اوّل البقرة تفصيل تامّ لجملة فواتح السّور (أَحَسِبَ النَّاسُ) استفهام إنكارىّ توبيخيّ (أَنْ يُتْرَكُوا) قائم مقام المفعولين لحسب (أَنْ يَقُولُوا) لان يقولوا ، أو بان يقولوا ، أو في ان يقولوا ، أو هو بدل من ان يتركوا بدل الاشتمال (آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) لا يبتلون ولا يمتحنون حتّى يظهر لطيفة ايمانهم ويخلص حقيقة ولايتهم وهذا لا يكون فلا ينبغي هذا الحسبان بل ينبغي لمن آمن بقبول الرّسالة أو الولاية ان يوطّن نفسه على الامتحان كالمريض الّذى يسلّم بدنه الى الحجّام والفصّاد للشّرط وجرح الفصد ، وهذا الامتحان قد يكون بالتّكاليف البدنيّة والماليّة ، وقد يكون بالمصائب في الأنفس والأموال ، وقد يكون بأذى الخلق شتما وضربا واجلاء وقتلا (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ممّن ادّعى الايمان العامّ بالبيعة العامّة النّبويّة أو الايمان الخاصّ بالبيعة الخاصّة الولويّة والجملة حاليّة واللّام لام القسم (فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ) الفاء سببيّة اى فتنّاهم بسبب انّه ينبغي ان يعلم الله (الَّذِينَ صَدَقُوا) والعلم هاهنا بمعنى العرفان ومتعدّ الى مفعول واحد ، أو المفعول الثّانى محذوف ، والتّقدير ليعلمنّ الله الّذين صدقوا صادقين أو متميّزين من غيرهم (وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ) وقرئ وليعلمنّ المنافقين وقرئ في كليهما بضمّ الياء وكسر اللّام من اعلم بمعنى جعله ذا علامة ، أو من العلم بمعنى العرفان ، أو من العلم المتعدّى الى المفعولين (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا) الآية الاولى تسلية للمؤمنين وهذه تخويف للمسيئين (ساءَ ما يَحْكُمُونَ مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ) اى يرغب ويطلب أو يخاف ويهرب فانّ الرّجاء قد يستعمل بمعنى الخوف فيكون تهديدا وترغيبا (فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ) فليثبت الرّاغب على رغبته ، وليزعج الخائف عمّا يخوّفه (وَهُوَ السَّمِيعُ) لأقوالكم القاليّة والحاليّة (الْعَلِيمُ) بجميع أعمالكم ونيّاتكم فليحذر المسيء وليرغب المحسن وهذه الجملة جواب لسؤال