بل فوق الإمكان ، إذا علمت ذلك ، فاعلم انّ آصف (ع) علم الاسم الأعظم الّذى هو لطيفته الملكوتيّة ودعا الله تعالى بتلك اللّطيفة يعنى انّه تشأّن بشأن تلك اللّطيفة وفعل فعله بشأن تلك اللّطيفة فصار ملكه مغلوبا لا حكم له ، فلم يكن المسافة بينه وبين عرش بلقيس مانعة من اتّصال يده الملكوتيّة به ولا الجبال والتّلال حائلة بين نظره ويده وبين العرش ، وبعد اتّصال يده بالعرش صار العرش بحكم الملكوت وارتفع عن الزّمان والمكان فلم يبق له حاجة في حركته الى مدّة ومضىّ زمان ولم يكن الجبال والتّلال مانعة من حركته فوصل يده الى العرش وأتى به في آن واحد وهذا معنى قوله : قبل ان يرتدّ إليك طرفك يعنى في اقصر من طرفة العين لا ما قالوه وفسّروه به (فَلَمَّا رَآهُ) يعنى مدّ يده وأتى به في اقلّ من طرفة العين فلمّا رآه سليمان (ع) (مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ) إظهارا لانعام الله ورؤية للمنعم في الانعام (هذا) اى إتيان وزيري به قبل طرفة العين (مِنْ فَضْلِ رَبِّي) علىّ (لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ) هذه النّعمة أو مطلق نعمه (وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌ) عنه وعن شكره (كَرِيمٌ) لا يمنع من كفر انعامه ويزيد من شكر افضاله ، واختلف في وجه الإتيان بعرشها ، فقيل : انّه أعجبته صفته فأراد ان يراه واحبّ ان يملكه قبل ان تسلم فيحرم عليه أخذ مالها ، وهذا شبيه بأقوال العامّة ، أو أراد ان يختبر بذلك عقلها وفطنتها ، أو أراد ان يظهر معجزة عليها حين ورودها لانّها خلّفته في دارها وأوثقته ووكلت به ثقاة ، وقيل : كانت بلقيس محبّة لها ، فأراد ان لا يكون قلبها متعلّقا بغيره وقت الورود (قالَ) سليمان (ع) (نَكِّرُوا لَها عَرْشَها) بتغيير هيئتها وصورتها وكان منظوره استخبارها كما قال (نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي) الى معرفته (أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ) أو المعنى ننظر أتستدلّ بحضور العرش على صدقى ونبوّتي وقدرة الله أم لا تهتدى (فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ) لها (أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ) لم تثبته ولم تنكره لما رأت من مماثلته له في جميع اجزائه وأوضاعه وهيآته ، ولما رأت من بعض تغييرات فيه بحسب ألوانه واشكاله ، وهذا من كمال العقل والحزم حيث لم تتبادر بتصديق وتكذيب وتثبّتت في امره ، وقيل : عرفته لكن لمّا قالوا : أهكذا عرشك بطريق التّشبيه أجابت بقولها : كأنّه هو بطريق التّشبيه لتطابق الجواب للسّؤال ، وقيل : كانت حكيمة فلو قالت : هو هو ، خشيت التّكذيب ، ولو قالت : ليس به ، خشيت ان تكذب ، فقالت كلمة لا تكذّب فيها ، فقيل لها : هو عرشك ، فما اغنى عنك إغلاق الأبواب ولا قوّة الحرّاس واهتمامهم بالحراسة وما اعجزنا بعد المسافة ولا عظمة العرش وثقله ، فقالت (وَأُوتِينَا الْعِلْمَ) برسالة سليمان (ع) وانّ امره الهىّ غير بشرىّ (مِنْ قَبْلِها) اى من قبل تلك الآية الظّاهرة لنا من العرش وإتيانه ، أو من قبل هذه السّاعة ، ويجوز ان يكون هذا من كلام سليمان (ع) أو الّذى قال : أهكذا عرشك ، أو قوم سليمان والمعنى وأوتينا العلم بقدرة الله على أمثال هذه قبل هذه الآية أو قبل بلقيس ، أو أوتينا العلم بمجيء بلقيس أو إسلامها قبل مجيئها فأتينا بعرشها (وَكُنَّا مُسْلِمِينَ وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ) اى صدّ بلقيس سليمان أو العرش حين رأته حاضرا عندها عن كونها تعبد من دون الله أو عن الّتى تعبدها من دون الله وهي الشّمس أو صدّها عن الايمان كونها تعبد من دون الله ، أو الّتى تعبدها من دون الله (إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ) في موضع التّعليل وبعد ما انقضى السّؤال والجواب عن العرش (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ) الصّرح هو الموضع المنبسط من غير سقف ، وقيل : انّه قصر من زجاج ، وقيل : كلّ بناء من زجاج أو صخر أو غير ذلك موثّق فهو صرح ، قيل : لمّا أقبلت بلقيس امر سليمان (ع) الشّياطين ببناء الصّرح من قوارير واجرى تحته الماء وجمع في الماء الحيتان والضّفادع ودوابّ البحر ثمّ وضع له فيه سرير فجلس عليه (فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً) قيل قالت : ما وجد ابن داود (ع) عذابا يقتلني به الّا الغرق وانفت ان تجبن فلا تدخل (وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها) فلمّا رآها سليمان (ع) وكان عليهما شعور كرهتها سليمان فاستشار الجنّ في ذلك فعملوا