سلّمنا ، فلم لا يجوز أن لا يكون لازما ، بل ولا مخالفة هناك ، ويكون كلّ أجزاء الخلاء طبيعيا ، ويكون كحال أجزاء كلّ عنصر بالنسبة إلى كلية مكان ذلك العنصر ، فإنّ الكل طبيعي له ، وفي أيّها اتفق وجوده فيه (١) كان موجودا في مكان طبيعي له ويمكن سكونه فيه ، فإنّه ليس يجب إذا كان للشيء الواحد مواضع متشابهة أن يلزمه أن لا يسكن في واحد منها ، فإنّ أمثال هذه المواضع أيّها اتفق للجسم الحصول فيه وقف بطبعه ولم يهرب(٢).
سلّمنا ، لكن لم لا يجوز أن يختص بالحركة إلى مكان والسكون فيه دون غيره للفاعل المختار ، أو يكون اختصاصه به كاختصاص بعض أجزاء النار بمماسة سطح الفلك دون البعض؟
سلّمنا ، لكن دليلكم إنّما يلزم لو لم يكن في الوجود إلّا جسم واحد ، حتى يقال : إنّ حصوله في خلاء ليس أولى من حصوله في خلاء آخر ، أمّا إذا وجدت أجسام كثيرة كالسماء والأرض فحينئذ يكون حصول بعض الأجسام في بعض الأحياز أولى من حصوله في غيرها ، للاختلاف الحاصل في الخلاء بسبب الاختلاف في القرب والبعد من تلك الأجسام ، وهذا المنع تقدم في تفسير كون المكان طبيعيا ، وهنا في منع الافتقار إلى الطبيعي لو غاير هذا التفسير.
لا يقال : الكلام في اختصاص هذه الأجسام الكثيرة ببعض هذه الجوانب من الخلاء كالكلام في هذا الجسم.
لأنّا نقول : جاز أن يكون الخلاء هو هذه الأبعاد الفارغة لا غير ، وهي متناهية ، فحصل فيها هذه السماوات والأرض ، ولم توجد أبعاد فارغة سواها ، فلم يلزم المحال الذي ذكرتموه.
__________________
(١) م : «فيه» ساقطة.
(٢) راجع المباحث المشرقية ١ : ٣٤٥.