البحث الثالث : في تفصيل قول المعتزلة في هذا الباب (١)
ذهب جماعة من معتزلة البصرة «كأبي يعقوب الشحّام» و «أبي علي الجبّائي» وابنه «أبي هاشم» و «أبي الحسين الخيّاط» و «البلخي» و «أبي عبد الله البصري» و «أبي إسحاق بن عيّاش» و «قاضي القضاة عبد الجبار» وتلامذته ، إلى أنّ المعدومات الممكنة قبل وجودها ذوات وأعيان وحقائق ثابتة في أنفسها ، جواهر وسواد وبياض وغير ذلك ، وأنّه لا تأثير لله تعالى في جعل الذوات ذواتا والجوهر جوهرا وغير ذلك ، بل إنّما يؤثر في جعل تلك الذوات موجودة. واتفقوا على أنّ تلك الذوات متباينة بأشخاصها ، وأنّ الثابت من كلّ نوع من تلك الذوات المعدومة عدد غير متناه ، فللجوهر أشخاص هي جواهر متساوية غير متناهية ، وكذا السواد له جزئيات متماثلة غير متناهية ، وكذا البياض وغيرها من الأنواع. واتفقوا كافة على أنّ تلك الذوات المعدومة متساوية في كونها ذوات ، وأنّ الاختلاف بينها إنّما هو بصفات.
ثمّ اختلفوا ، فذهب أكثرهم إلى أنّ تلك الذوات المعدومة موصوفة بصفات الأجناس كالجوهرية في الجوهر ، والسوادية في السواد ، والبياضيّة في البياض ، وزعم «ابن عيّاش» أنّها عارية عن جميع الصفات في العدم وإنّما تحصل الصفات في زمان الوجود.
أمّا القائلون بالصفات ، فزعموا أنّ صفات الجوهر ، إمّا أن تعود إلى الجملة ، كالحيّية وما يكون مشروطا بها (٢) ، أو إلى الأفراد وهي أربع :
__________________
(١) انظر مقالات الإسلاميين : ١٥٨ وما بعدها ؛ أوائل المقالات : ٩٨ ؛ المحصّل ، وذيله : ٨٣ ـ ٨٥ ؛ المواقف : ٥٦ ـ ٥٧.
(٢) والصفات المشروطة بالحياة هي الاعتقادات والظنون والأنظار والقدر والشهوات والنفارات والآلام والإرادات والكراهات ، وهي مع الحياة عشرة والموت عند أبي علي أيضا منها. نقد المحصل : ٨٤.