كالماء الذي يحيط به سطح الأرض وسطح الهواء ، فالمكان هنا مركب. وقد يتحرك أحد السطحين ويكون الآخر ساكنا كالحجر على أرض النهر الجاري ، وقد يتحرك المكان مع سكون المتمكن ، كالطير الواقف في الهواء الجاري عليه. وقد يتحركان معا على الخلاف (١) ، كالمحيط وفلك البروج (٢).
البحث الرابع عشر : في بقايا مسائل المكان
المسألة الأولى : في أنّ لكل جسم حيّزا طبيعيا (٣)
اتفق أكثر الأوائل على ذلك ، واحتجوا عليه بوجهين :
الوجه الأوّل : أنّ الجسم إذا فرضناه خاليا عن جميع اللواحق والعوارض وكلّ ما يمكن خلوه عنه فإنّه لا بدّ له من حيّز معيّن ، وإلّا لكان في كلّ الأحياز ، وهو باطل بالضرورة ، أو لا في شيء من الأحياز ، وهو أيضا باطل بالضرورة ، بل لا بدّ له من حيّز يكون أولى به من غيره ، لاستحالة الترجيح من غير مرجّح ، وليس ذلك مقتضى جسميته ، لأنّها أمر مشترك بين جميع الأجسام وليس ذلك المكان حاصلا لكل الأجسام ، فهو لأمر زائد على جسميته ، وذلك هو الطبيعة ، لأنّا فرضنا خلوّه عمّا عداها.
__________________
(١) أي خلاف الجهة والمفارقة.
(٢) راجع الفصل التاسع من المقالة الثانية من الفن الأوّل من طبيعيات الشفاء ، وشرح الاشارات ٢ : ١٩٨ ـ ٢٠٠ ؛ المباحث المشرقية ١ : ٣٦١ ـ ٣٦٢.
(٣) راجع الفصل العاشر من المقالة الرابعة من الفن الأوّل من طبيعيات الشفاء ؛ النجاة : ١٣٤ ـ ١٣٥ ؛ المباحث المشرقية ٢ : ٦٦ ـ ٧١ ؛ المواقف : ١٩٨ ـ ١٩٩.