البحث الثاني : في الحصر
ذهب الأوائل إلى حصر أقسام التقدّم في هذه الأنواع الخمسة ، ولا برهان لهم على ذلك سوى الاستقراء (١) ، وهو لا يفيد اليقين ، خصوصا وقد أبدى المتكلّمون قسما سادسا للتقدّم ، وهو تقدّم بعض أجزاء الزمان على البعض ، كتقدّم الأمس على اليوم ، فإنّه ليس بالعلّية وهو ظاهر ، لاستحالة اجتماعهما في الوجود ، وإلّا لم يكن الزمان متقضيا (٢) ، فلا يكون الزمان زمانا ، ووجوب اجتماع العلّة والمعلول فيه ولأنّ أجزاءه متساوية فيستحيل اختصاص أحدهما بالعلّية والآخر بالمعلولية ، ولأنّه لو كان المتقدّم علّة والمتأخّر معلولا ، لوجب اختلاف حقيقتهما ، فيكون الزمان مركّبا من أجزاء لا تتجزأ غير متناهية بالفعل ، وهو محال عندهم.
ولا بالذات لهذه الوجوه أيضا.
ولا بالشرف ، إذ لا يعقل شرف أحد أجزاء الزمان وخسّة الآخر ، ولأنّ المتقدّم بالشرف قد يجامع المتأخّر ، ولأنّه يستلزم وجود أجزاء الزمان بالفعل.
ولا بالرتبة الحسّية ، إذ الزمان ليس من ذوات الأوضاع وهو ظاهر. ولا هو بمحسوس ، وإلّا لم يشك في وجوده ، مع أنّ أكثر الناس نفاه ، واختلف مثبتوه في حقيقته.
ولا بالرتبة العقلية (٣) أيضا ، (٤) فإنّ هذا النوع من التقدّم يمكن أن يجتمع
__________________
(١) لاحظ نهاية الفصل الثاني من مقولات الجوهر النضيد : ٢٨.
(٢) وفي المخطوطات : «مقتضيا».
(٣) ق : «الجعلية».
(٤) في النسخ : «وأيضا» ، والصحيح ما أثبتناه طبقا للمعنى.