لا يقال : أنتم قسمتم الحركة الآخذة نحو شيء ذي وضع إلى حركة إليه وحركة عنه ، أي حركة قرب وحركة بعد ، وهذه القسمة حاصرة بالقياس إلى ما لا ينقسم في جهة الحركة ، وغير حاصرة بالقياس إلى ما ينقسم بوجود قسم آخر وهو الحركة فيه ، وإيراد قسمة لا يصحّ إلّا بالقياس إلى ما لا ينقسم في بيان أنّ الشيء غير منقسم ، مصادرة على المطلوب.
لأنّا نقول : الحركة في المنقسم إنّما تكون عن جهة أو إلى جهة ، ويعود القسمان الأوّلان ، وإلّا جاز أن تكون جهة الحركة هي المسافة التي تقطع بالحركة ، وهو محال (١).
المسألة الثانية : في أنّ الجهة موجودة
لمّا كانت الجهة مقصد المتحرك ومتعلق الإشارة لزم أن تكون موجودة ، فإنّ المتحرك لا يقصد التوجه إلى شيء بالحصول فيه إلّا إذا كان ذلك الشيء موجودا. والإشارة أيضا إنّما تتناول الأمر الموجود ذا الوضع.
لا يقال : ليس من شرط ما يقصده المتحرك أن يكون موجودا ، فإنّ المستحيل من السواد إلى البياض يقصد البياض ، وإن لم يكن البياض موجودا بعد ، فلم لا يكون المتحرك في الأين كذلك؟
لأنّا نقول : الفرق بين الحركة في الأين والحركة في الكيف ظاهر ، لأنّ المتحرك إلى الجهة إنّما يقصد الحصول في الجهة ، لا تحصيل الجهة بحركته ، فهي يتوخّى بلوغها أو القرب منها ، ولا يجعل الجهة ممّا يتوخّى تحصيل ذاتها بالحركة ، ولا تجعل لها عند تمام الحركة حالا من الوجود أو العدم ، والمتحرّك في الكيف
__________________
(١) فإذن القسمة حاصرة ، شرح الاشارات ٢ : ١٦٨ ـ ١٦٩.