بعد زوال فصل السواد عنه بفصل البياض. نعم قد يقال : اللون يقبل الضدين بنوع من المجاز، إمّا باعتبار انقسامه إليهما فيكون بعضه بياضا وبعضه سوادا ، أو باعتبار تجرّده في الوهم عن الفصلين ، فيكون من حيث هو لون مطلق قابلا لأيّ الفصلين كان ، وليس كلامنا في الأمور الوهمية ، بل في الأمور المحصّلة في الخارج ، هل يوجد شيء محصّل في الخارج يقبل الضدين؟
ولو كان اللون يقبل السوادية تارة والبياضية أخرى لما كان سوادا وبياضا ، بل كان مسودّا ومبيضّا ، وهذا باطل (١).
البحث السابع : في أنّ الجوهر لا ضد له (٢)
الضدان عند الأوائل : هما الذاتان الوجوديتان المتعاقبتان على موضوع واحد وبينهما غاية الخلاف. وحينئذ يكون الحكم بامتناع التضاد عليه ظاهرا ، لأنّ التضاد إنّما يتحقق فيما يوجد في الموضوع بحيث يتعاقب ضده عليه ، ولمّا كان الجوهر هو الموجود لا في موضوع ، امتنع وقوع التضاد فيه. وقد يعنى بالضدين المتعاقبان على محل واحد (٣) ، ولا يشترط الموضوع ، فيصح وقوع التضاد فيه حينئذ ، لأنّ الصور الجوهرية للعناصر تتعاقب على محلّ واحد هو المادة ، وبينهما غاية الخلاف ، لكنّ ذلك خارج عن مصطلح القوم. وبالجملة فالنزاع لفظي (٤).
__________________
(١) راجع المباحث المشرقية ١ : ٢٥١.
(٢) راجع منطق أرسطو ١ : ٤٠ ـ ٤١.
(٣) هذا في تعريف القدماء للمتضادين حيث عرّفوهما بانّهما «أمران وجوديان لا يجتمعان في محل واحد في زمان واحد من جهة واحدة».
(٤) قال ابن سينا بعد ذكر هذا البحث : «وليس على المنطقي أن يحاول إبانة هذه بالتحقيق ، فلن يفي بها وسعه ، بل أكثر ما يحتمله هو أن يعرف ذلك بالاستقراء أو بحجج مأخوذة من المشهورات ...» الفصل الثالث من المقالة الثالثة من الفن الثاني من منطق الشفاء ١ : ١٠٦. راجع أيضا المباحث المشرقية ١ : ٢٥٠ ؛ تجريد الاعتقاد ، المقصد ٤ ، الفصل ١ ، المسألة ٣.