وأمّا الثاني : فإنّ هذه الأعراض تستند إلى الفاعل المختار ، أو إلى المبدأ الفياض عندهم بشروط عدميّة ، أو إلى كيفية ثبوتية غير الحرارة.
وذهب جماعة من المتكلّمين لا مزيد تحصيل لهم ، من جملتهم سعيد بن زرارة إلى أنّه ليس في النار حرارة ، ولا في الزيتون زيت ، بل الحرارة تحدث فيها عند قربنا منها ، والزيت يحدث عند العصر. وربّما قالوا : بل تحدث الحرارة فينا نحن عند قربنا منها. وهذه جهالة ظاهرة. قال بشر بن المعتمر شعرا : (١)
يا سعيد بن زرارة وحمار ابن حمارة |
|
ليس في الزيتون زيت ، ليس في النار حرارة |
المسألة الثالثة : في تعديد أصناف الحار والبارد
الحار قد يقال على ما يحس بحرارته ، كالنار. وقد يقال على ما لا يكون كذلك ، بل يكون ظهور تلك الكيفية منه موقوفا على ملاقاته لبدن الحيوان ، كما يقال للغذاء والدواء إنّهما حارّان. وعليه يقاس البارد.
وللقسم الثاني منهما ـ وهو الذي لا نحس فيه بالحرارة والبرودة ، بل يكون ظهورهما موقوفا على ملاقاة البدن ـ علامات بعضها تجريبيّة وبعضها قياسية. وهو من وجوه : أضعفها اللون ، وتارة الطعم وأخرى الرائحة ، وتارة سرعة الانفعال وعسره ، فإنّ المتخلخل أسرع انفعالا عمّا يلاقيه من المتكاثف ، لضعف جرميّة المتخلخل وقوة جرميّة المتكاثف. فالأجسام إذا تساوت في القوام ثمّ تفاوتت في قبول الحرارة من فاعل واحد فالأقبل يكون في طبعه أسخن ، لأنّه لمّا تساوى نسبة الفاعل والقابل منهما ، لو لم يختص الأقبل بما يعاضد الخارجي ، لم يكن الأثر
__________________
(١) بشر بن المعتمر الهلالي البغدادي ، أبو سهل : فقيه معتزلي مناظر ، من أهل الكوفة ، تنسب إليه الطائفة «البشرية» منهم. له مصنفات في «الاعتزال» ومات ببغداد سنة ٢١٠ ه (الزركلي ، الأعلام ٢ : ٥٥).