وفيه نظر ؛ فإنّ السابق هو إمكان الإمكان ، والمسبوق هو إمكان الممكن ، وهما متغايران.
ولأنّ الإمكان لو كان ممكنا للممكن ، لكان إمكان الإمكان زائدا عليه ويتسلسل. ولا نعني بالوجوب هنا الوجوب الذاتي ، بل نعني به أنّ الإمكان وصف لازم للممكن ، لا يعقل انفكاكه عنه.
تنبيه : من الإمكان ما هو لازم للماهيّات وهو الذاتي. ومنه عارض وهو الاستعداد ، وهو قابل للشدّة والضعف. وجعله الأوائل نوعا من الكيف ، ثبوتيا في الأعيان. والأدلّة السابقة تبطله.
البحث السادس : في أنّ الممكن محتاج إلى المؤثّر (١)
هذا الحكم قطعي قد اتفق عليه العقلاء ، لكن اختلفوا ، فالمحققون على أنّه بديهيّ(٢)، وقال آخرون ـ قصرت أفكارهم عن إدراك اليقين ـ : إنّه كسبي.
والحقّ : الأوّل ، فإنّ العقل قاض بأنّ الشيء إذا كانت نسبة الوجود والعدم إليه على السوية ، امتنع رجحان أحدهما على الآخر إلّا لمرجّح ، ولهذا فإنّ كلّ عاقل إذا أحسّ بحدوث شيء في وقت معيّن ، طلب لحدوثه علّة وسببا.
أمّا القائلون بأنّه استدلالي ؛ فقد استدلّوا عليه بوجهين (٣) :
أ : ماهية الممكن لمّا كانت مقتضية للاستواء ، فلو حصل الرجحان أيضا ، لاجتمع النقيضان وهو محال.
__________________
(١) انظر نقد المحصل : ١١١ وما بعدها ؛ المباحث المشرقية ١ : ٢١٨ ـ ٢٢٢ ؛ المواقف : ٧١ وما بعدها.
(٢) لاحظ الفصل السادس من المقالة الأولى من إلهيّات الشفاء ؛ الأسفار ٢ : ٢٠٧ ؛ تجريد الاعتقاد ، مع شرح العلامة ، المسألة الثالثة والأربعون.
(٣) المواقف : ٧١ ـ ٧٢.