البحث الخامس : في كيفيّة عروض الإمكان (١)
الإمكان أمر عقلي واضافة ذهنية يحكم به العقل على الغير عند قياسه إلى وجوده أو إلى وجود شيء آخر له ، لا مطلقا ؛ فإنّه لا يحكم به على الواجب لذاته ، ولا على الممتنع لذاته ، وإنّما يحكم به على ماهية لا يجب لها أحد الأمرين ، أعني الوجود أو العدم ، فإذا نسب العقل الوجود إلى هذه الماهيّة حكم لها بجوازه ، ثمّ لو فرض العقل هذه الماهية مقترنة (٢) مع وجودها ، أو وجود سببها ، أو مع عدمها ، أو عدم سببها ، لم يحكم بهذه الإضافة أيضا ، فإنّ الماهية مع الوجود تصير واجبة ، وكذا مع وجود سببها. وإذا أخذت مع العدم صارت ممتنعة ، وكذا مع عدم سببها ، وإن كان الوجوب والامتناع هنا غير ذاتيين ، إلّا أنّهما ينافيان جواز الوجود والعدم ، فالحكم بالإمكان على الماهية ، إنّما يكون مع فرض الماهية خالية عن جميع الاعتبارات ، لا بشرط الخلو أيضا ، بل من حيث هي هي بالنسبة إلى وجودها أو عدمها ، فإنّ الماهية من حيث هي هي لا يلزم من فرض وجودها ولا من فرض عدمها محال أصلا.
وقد اعترض بوجوه (٣) :
الأوّل : عروض الإمكان غير معقول ، لأنّه أمر نسبي لا يعقل إلّا بين شيئين ، فالماهية من حيث هي هي لا يمكن وصفها به ، إذ ليس هنا إلّا شيء واحد. والوجود أيضا أمر واحد ، فيستحيل عروض الإمكان له. والنسبة الحاصلة بينهما
__________________
(١) راجع البحث في المباحث المشرقية ١ : ٢١٦ ـ ٢١٧.
(٢) ق : «متقومة».
(٣) وهي أربعة ، انظر الوجه الأوّل ، في المباحث المشرقية ، وفي المحصل جعلها ثلاثة بادغام الوجه الثاني في الأوّل. نقد المحصل : ١٠٤.