لأنّه لو فتح رأس الإناء لنزل الماء ، فعلمنا أنّه إنّما يمسكه لأنّ سطحه يقتضي أن يماسّ سطح أيّ جسم كان ، أو لأنّ سطح الماء ملازم بالطبع لسطح الإصبع الذي لا يمكّن من النزول فيبقى الماء محبوسا بسبب ذلك. وكلّ ذلك يقتضي استحالة الخلاء.
لا يقال : يمتنع كون العلّة في عدم نزول الماء ما ذكرتم من تلازم السطوح ؛ لأنّه يلزم أن لا ينزل عند اتساع الثقب. ولأنّه كان يجب أن لا ينزل الزئبق لو ملئ به الإناء. ولأنّه إذا ملئ نصفه ماء ونصفه هواء ، ثمّ شددنا رأسه كان يجب أن ينزل الماء لإمكان أن ينبسط الهواء الذي فيه ، حتى يشغل كلّ الإناء.
لأنّا نقول : الأوّل غير لازم ، لأنّ الثقبة إذا كانت واسعة أمكن أن ينزل الماء من ناحية ، ويصعد الهواء من ناحية أخرى ، وهو مشاهد في القارورة الضيقة الرأس المكبوبة على الماء ، فإنّه يضطرب نزول الماء في رأس الإناء بمزاحمة صعود الهواء له.
وأمّا الثاني : فإن فرط ثقل الزئبق ربّما أوجب زيادة مدافعة الهواء المجاور للثقب ، فيضطره ذلك إلى التحرك ، فإذا لم يجد مكانا وراءه اضطره (١) ذلك إلى مزاحمة الزئبق ، ودخوله من ناحية من نواحي الثقب ، وإن تعذر ذلك احتبس الزئبق ولم ينزل.
وأمّا الثالث : فإنّ الطبيعة تفعل الأسهل ، ولا يمتنع أن يكون وقوف الماء أسهل على الطبيعة من تعظيم حجم الهواء.
الوجه السابع : الانبوبة إذا غمس أحد طرفيها في الماء ، ومصّ الطرف الآخر ، فإنّ الماء يصعد حال خروج الهواء ، ومعلوم أنّه ليس من شأن الماء الصعود. فبقي أن يكون ذلك لأنّ سطح الهواء يلازم سطح الماء ، فإذا مصّ الهواء
__________________
(١) في النسخ : «اضطر» ، ولعلّ الصواب ما أصلحناه.