انجذب فتبعه الماء ، وذلك كما نشاهد من ارتفاع اللحم عند مصّ المحجمة (١) ، ولا علة لذلك إلّا تلازم السطوح.
لا يقال : لو ارتفع اللحم لأجل وجوب الملاء ، لوجب إذا ألقينا المحجمة على الحديد، ثمّ مصصناها أن يرتفع الحديد.
لأنّا نقول : إذا وضعنا المحجمة على الحديد ولا خلاء بينهما ولا منفذ البتة (٢) فإمّا أن لا يخرج من الهواء شيء البتة بالمص ، وإمّا أن يخرج البعض فينبسط الباقي ويملأ جميع المكان. ولهذا إذا أفرط الإنسان في مصّ القارورة والمحجمة وكانت رقيقة انكسرت. ولو كان الخلاء ممكنا لما وجب الكسر ، وكذا إذا وضعنا المحجمة على السّندان (٣) ومصصناها ارتفع السندان بارتفاع المحجمة.
الوجه الثامن : إذا أدخلنا رأس أنبوبة داخل قارورة ، ثمّ سددنا الخلل بين عنق القارورة وعنق الانبوبة سدا محكما ، ثمّ جذبنا الانبوبة بحيث لا يدخل الهواء ، فإنّ القارورة تنكسر إلى داخل ؛ لاستحالة الخلاء. ولو أدخلت الأنبوبة إلى باطن القارورة بحيث لا يخرج الهواء عنها أكثر ممّا دخل ، انكسرت إلى خارج ، لأنّ الإناء كان مملوءا ، فإذا أدخلنا الانبوبة لم يحتملها فانشقّ الإناء إلى الخارج.
الوجه التاسع : لو أمكن الخلاء لجاز في بعض الأوقات أن تكبّ القارورة في موضع يكثر (٤) فيه الخلاء ، فينزل الماء بسهولة ، ويندفع الهواء إلى الأماكن الخالية ، ولا يصعد الهواء إلى القارورة ، حتى كنّا لا نرى النفاخات والبقابق ، لأنّ الهواء ما دام يجد المواضع الفارغة خارج الإناء فإنّه لا يتكلّف الصعود إليها ، ولا بدّ
__________________
(١) المحجمة : شيء كالكأس يفرغ من الهواء ، ويوضع على الجلد فيحدث تهيّجا ويجذب الدم.
(٢) ق : «إليه».
(٣) كلمة فارسية ، من آلات الحدّادين وهي ما يطرق عليها الحديد.
(٤) ج : ساقطة.