الجسم لذلك أيضا ، بل إنّما تبطل بمصادمات الهواء الذي في المسافة ، فلو كانت المسافة خالية عن العائق لم يكن لتلك القوة ما يصادمها ويضعفها ويبطلها ، فكان أثرها باقيا إلى أن يتصل المتحرك إلى سطح الفلك. ولما لم يكن كذلك علمنا انتفاء الخلاء.
الوجه السادس : الإناء الضيق الرأس إذا كان في أسفله ثقبة ضيقة ، وملئ ماء وضمّ رأسه لم ينزل الماء ، وإن فتح رأسه نزل. فعدم النزول ليس لعدم علّة النزول ـ لأنّ علته طبيعة الماء فإنّها تقتضي نزوله عند خروجه عن مكانه الطبيعي ، وطبيعة الماء موجودة ـ بل لوجود المانع ، فإمّا أن يكون خارجا عن القارورة أو لا.
والأوّل إمّا انسداد المنافذ وهي تلك الثقبة بالأهوية المحتبسة فيها ، أو امتلاء العالم بحيث لا يبقى للماء خارج الإناء مكان. والأوّل باطل ، وإلّا لم ينزل حال فتح الرأس. ولأنّ الثقب إذا كانت واسعة كان يجب أن لا ينزل الماء ؛ لأنّه يجاوره من الهواء أكثر ، فكان أولى بعدم النزول ، لأنّ الهواء اليسير إذا أقلّ (١) جميع الماء في الآنية كان الهواء الكثير المجاور للثقب الواسع أولى. ولأنّه إذا كان خارج الآنية خلاء كان يجب أن ينزل الماء ويندفع الهواء بسببه إلى الأحياز الخالية ، لأنّ الماء أثقل من الهواء ، ومن شأن الثقيل إذا ضغط الخفيف أن يزيله عن مكانه ، كما تتحرك الأجسام في الأهوية.
والثاني قول أصحاب الملاء ، ولكن لا يدل على امتناع الخلاء ؛ لإمكان أن يكون الملاء حاصلا مع إمكان الخلاء.
وأمّا إن كان المانع ليس خارجا عن تلك القارورة ، فذلك إنّما يكون إذا كان سطح القارورة حافظا لما فيه من الماء ، ومعلوم أنّه لا يحفظه لخصوص كونه ماء ،
__________________
(١) كذا في النسخ.