الخلاء إن كان عبارة عن عدم الأجسام استحال أن يكون فيه مخالفة ، بل استحال أن يكون فيه جزء مغاير لجزء ، بل لا جزء فيه البتة. وإن كان عبارة عن الأبعاد المفارقة ، لم يعقل فيه اختلاف البتة في نفس هذا المفهوم. أو يكون لازما لأمر يحلّ فيه ، وهو باطل ؛ لأنّ ذلك الحالّ (١) إن كان لازما لذلك الجزء من الخلاء فهو باطل ؛ لأنّ لوازم الماهية مشتركة بين أفرادها ، فلو لزم جزءا من الخلاء لازم ، كان لازما لكلّ جزء ، ولا يقع اختلاف بين جزء وجزء فيه ، وإن لم يكن لازما لم يكن التخالف بسببه لازما. أو لأمر يحلّ فيه ، وهو محال ؛ لأنّ الخلاء حينئذ يكون ملاء.
وإمّا أن لا يكون وجه المخالفة لازما البتة ، فيمكن زواله ، فيحصل التساوي بين أجزاء الخلاء. فتعيّن الأوّل ، وهو التساوي بين الأجزاء المفروضة في الخلاء.
وإذا ثبت تساوي أجزاء الخلاء امتنع أن يكون بعضها مكانا طبيعيا للجسم ، وبعضها غير طبيعي ، فاستحال أن يكون بعضها مطلوبا بالطبع ، وبعضها مهروبا عنه بالطبع ، لاستحالة أن يكون أحد المثلين مطلوبا بالطبع والآخر مهروبا عنه بالطبع ، فلا يكون (٢) متحركا بالطبع ، ولا ساكنا بالطبع ، لأنّه لا مكان طبيعي له يتخصص به من دون باقي الأمكنة ، لتساوي أجزاء الخلاء في الحقيقة.
ولا يكون له أيضا حركة إراديّة ، ولا سكون إرادي ، لاستحالة أن تختص الإرادة لأحد المثلين بحكم دون الثاني. ويستحيل أن تكون له حركة قسرية أيضا ، لأنّ القسر على خلاف الطبع ، وإذا انتفى الميل الطبيعي انتفى الميل القسري.
الوجه الرابع (٣) : لو كان الخلاء موجودا لكانت الحركة مع العائق أسرع منها مع غير العائق ، والتالي باطل بالضرورة ، فالمقدم مثله.
__________________
(١) م : «الخلاء».
(٢) أي الجسم.
(٣) راجع نقد المحصل : ٢١٥.