به ، فإنّه يكون مشكلا (١) ، على معنى أنّ له هيئة إحاطة الحدّ أو الحدود به ، فلو كان الخلاء بعدا مجردا لكان متناهيا ذا شكل ، فالشكل إن حصل للمقدار لذاته لزم تساوي الكلّ والجزء فيه ، لتساويهما في الطبيعة والحقيقة ، وكلّ متساويين في الحقيقة يجب تساويهما في اللوازم ، فكان شكل الكل والجزء واحدا ، فلا يكون الكلّ كلّا ، ولا الجزء جزءا. ولأنّه لو ساوى الجزء الكلّ في الشكل كان شكل الكلّ لا لذاته ، فيصحّ توارد الأشكال عليه ، وكلّ ما كان كذلك كان جسما ، فالخلاء جسم ، هذا خلف.
وإن حصل الشكل للمقدار بسبب فاعل ، كان المقدار الواحد الجسماني مستقلا بقبول الفصل والوصل والتمدد ، لأنّ قبول الشكل إنّما يكون بواسطة ذلك ، لكنّ ذلك محال ، لأنّ المقدار إنّما يوجد في المادة. فتعيّن أن يكون ذلك الشكل حصل للمقدار بواسطة المادة ، فذلك المقدار مادّي ، والمادة الموصوفة بالمقدار تكون جسما ، فالخلاء جسم ، هذا خلف. ولأنّ الشكل إذا لم يكن للمقدار لذاته صحّ عليه توارد الأشكال المختلفة ، وكلّ ما صحّ عليه توارد الأشكال المختلفة يكون جسما ، فيكون الخلاء جسما ، وهو محال.
الوجه الثالث : لو كان الجسم حاصلا في الخلاء استحال أن يكون متحركا فيه بالطبع وبالقسر وبالإرادة (٢) ، أو ساكنا ، والتالي باطل بالضرورة فالمقدّم مثله.
بيان الشرطية : أنّ الخلاء إمّا أن يكون متشابه الأجزاء أو لا يكون. والثاني محال ، لأنّ مخالفة جزء منه لجزء آخر منه ، إمّا أن يكون لازما لذلك الجزء لذاته وماهيته فيلزم اختلاف المتساويات في الماهية بالماهية ، وهو ضروري البطلان ؛ لأنّ
__________________
(١) قال الجرجاني في تعريف الشكل : «هو الهيئة الحاصلة للجسم بسبب إحاطة حدّ واحد بالمقدار ، كما في الكرة ، أو حدود ، كما في المضلّعات من المربّع والمسدّس». التعريفات : ١٦٩.
(٢) أقسام الحركة ساقطة في م.