ثمّ نشرع بعد ذلك في إبطال المذهب الثاني (١) فنقول :
قد ثبت أنّ الخلاء يمكن مسحه وتقديره ، وهو من خواص الكم ، فإمّا أن يكون كمّا متصلا أو منفصلا. والثاني باطل ؛ لأنّ المنفصل حصوله من الوحدات الغير القابلة للانقسام ، فكان يستحيل أن يحلّ فيه الجسم القابل للانقسام أبدا. ولأنّ المنفصل غير ذي وضع ، ومكان الجسم يجب أن يكون ذا وضع ، فهو (٢) كمّ متصل. فإمّا أن يكون كمّا متصلا بالذات أو بالعرض.
فإن كان كمّا متصلا بالذات ، ولا شك أنّه ذو وضع ، فيستحيل أن يوجد إلّا في المادة لما مضى من امتناع قيام المقدار بذاته مجردا عن المادة ، فيكون الخلاء جسما ، فلا يكون خلاء.
وإن كان متصلا بالعرض ، فإمّا أن يكون الخلاء حالّا في المقدار ، أو المقدار حالّا في الخلاء ، أو الخلاء والمقدار حالّين في ثالث ، فإن كان الأوّل كان الخلاء حالّا في المقدار ، والمقدار حالّ في المادة (٣) ، فيكون ملاء لا خلاء ، وكذا الثالث. وإن كان الثاني كان الخلاء جسما ، لأنّه لا معنى للجسم إلّا الذي فيه قابلية الأبعاد ، فيكون الخلاء ملاء. ولأنّ الخلاء لو حصل فيه الجسم لزم اجتماع مقدارين متماثلين في الماهية في مادة واحدة ، واجتماع المثلين محال. ولأنّ المانع من التداخل هو المقدار ، فلو كان الخلاء مقدارا منع دخول الأجسام فيه.
الوجه الثاني : الأبعاد متناهية على ما تقدم ، وكلّ متناه فله حدّ واحد يحيط به كالكرة ، أو حدود تحيط به كالمثلثات وما عداها ، وكلّ ما له حدّ أو حدود محيطة
__________________
(١) من القائلين بالخلاء وهو مذهب من يقول : إنّ الخلاء أمر وجودي.
(٢) أي الخلاء.
(٣) م : «فالخلاء حالّ في المادة».