الحبّ حسّا. ويجوز أن يكون الشراب ينعصر ، فيخرج منه بخار أو هواء فيصير أصغر. ويجوز أن يصغر بتكاثف طبيعي أو قسري.
والجواب : أنّ هذه كلّها أمور ظنية ، والتعويل على ما تقدم من البراهين.
واحتج النافون بوجوه (١) :
الوجه الأوّل : الخلاء قابل للتقدير والمساواة والمفاوتة ، وكلّ ما كان كذلك فهو أمر وجودي هو كمّ أو ذو كم. أمّا الصغرى فلأنّ الجسمين غير المتلاقيين إذا خلا ما بينهما أمكننا أن نقيسه إلى خلاء آخر بين جسمين آخرين ، وننسبه إليه بالمساواة والمفاوتة ، فإنّا نعلم بالضرورة ، أنّ ما بين السماء والأرض أزيد ممّا بين طرفي الجدارين ، وما بين طرفي الجدارين أقلّ ما بين السماء والأرض وأزيد ممّا بين طرفي الإناء ومساو لما بين طرفي جدارين مساويين لهما في التباعد. وأنّ كلّ ذلك يقبل التقدير بالأذرع وشبهها. وأنّ ما بين جسمين غير متلاقيين ، قد يكون بحيث يمتلئ بالذراع الواحد ، وقد يكون بحيث يفضل عن الذراع ، وقد يكون بحيث لا يتسع للذراع الواحد ، والذي بين جسمين آخرين قد يكون مخالفا لما بين الجسمين الأوّلين ، وقد يكون موافقا في احتمال الأجسام العظيمة والصغيرة.
وليست هذه أحكام وهمية كاذبة ، فإنّ اتساع ما بين الجسمين المفروضين تارة للذراع ، وتارة لما هو أقل ، وتارة لما هو أكثر ، وفضل البعد بين السماء والأرض على البعد بين الجدارين أمر حاصل في نفس الأمر واقع سواء فرضه فارض واعتبره معتبر أو لا. وقبول المساواة والمفاوتة والتقدير من خواص الكم ، فبطل بهذا مذهب من يرى أنّ الخلاء عدم صرف ، ونفي محض ، وفراغ متوهم.
__________________
(١) راجع شرح الاشارات ٢ : ١٦٤ ـ ١٦٦ ؛ الفصل الثامن من المقالة الثانية من الفن الأوّل من طبيعيات الشفاء ؛ المباحث المشرقية ١ : ٣٣٨.