وهذا الذي قالاه سبقهما إليه الفرّاء فإنه قال : «من جر السلاسل حمله على المعنى» (١) ، إذ المعنى أعناقهم في الأغلال والسلاسل.
الوجه الثاني : أنه عطف على «الحميم» (٢) ، فقدم على المعطوف عليه وسيأتي تقرير ذلك.
الثالث : أن الجر على تقدير إضمار الخافض ، ويؤيده قراءة أبيّ : «وفي السّلاسل» وقرأ غيره : وبالسّلاسل وإلى هذا نحا الزجاج (٣) ، إلّا أنّ ابن الأنباريّ (٤) ردّه وقال : لو قلت : «زيد في الدار» لم يحسن أن تضمر «في» فتقول : زيد (في (٥)) الدار ثم ذكر تأويل الفراء وخرج القراءة عليه. ثم قال : كما تقول : «خاصم عبد الله زيدا العاقلين» ، بنصب «العاقلين» ورفعه (٦) ؛ لأن أحدهما إذا خاصم صاحبه فقد خاصمه الآخر (٧). وهذه المسألة ليست جارية على أصول البصريين ، ونصّوا على منعها وإنما قال بها من الكوفيين ابن (س) (٨) عدان.
وقال مكيّ : وقد قرىء : والسّلاسل بالخفض على العطف على الأعناق ، وهو غلط ؛ لأنه يصير الأغلال في الأعناق وفي السلاسل ولا معنى للأغلال في السّلاسل (٩).
قال شهاب الدين : وقوله : على العطف على الأعناق ممنوع بل خفضه على ما تقدم (١٠). وقال أيضا : وقيل : هو معطوف على «الحميم» وهو أيضا لا يجوز ؛ لأن المعطوف المخفوض ، لا يتقدم على المعطوف عليه لو قلت : «مررت وزيد بعمرو» لم يجز ، وفي المرفوع يجوز ، نحو : قام وزيد عمرو ، ويبعد في المنصوب لا يحسن رأيت وزيدا عمرا ، ولم يجزه في المخفوض أحد (١١).
قال شهاب الدين : وظاهر كلامه أنه يجوز في المرفوع منعه (١٢) ، وقد نصوا على أنه لا يجوز إلا ضرورة بثلاثة شروط :
__________________
(١) معاني الفراء ٣ / ١١.
(٢) الدر المصون ٤ / ٧٠٨.
(٣) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٣٧٨.
(٤) يبدو أنه ابن الأنباري الكوفي أبو بكر العالم الكبير الذي تبحر في علوم جمة ، وكان من أعلم الناس وأفضلهم في نحو الكوفيين. من مؤلفاته الأضداد وغيرها مات سنة ٣٣٦ وانظر نزهة الألباء ١٧٨ ـ ١٨٦.
(٥) سقط حرف (في) في القرطبي وهو المناسب للسياق.
(٦) في القرطبي ويجوز رفعهما.
(٧) وانظر القرطبي ١٥ / ٣٣٢ والبحر المحيط ٧ / ٤٧٥ ، والدر المصون ٤ / ٧٠٩.
(٨) زيادة عن النسختين وتصحيح لهما ففيهما ابن معدان ولكن الأصح أنه ابن سعدان أبو جعفر الضرير كان من أكابر الكوفيين ، محمد بن سعدان ، نشأ بالكوفة ، وأخذ عن أبي معاوية الضرير ، وغيره ، مات سنة ٢٣١ ه وانظر إنباه الرواة للقفطي ٢ / ٣٥٨ ، ٣ / ١٠٢.
(٩) مشكل إعراب القرآن ٢ / ٢٦٨.
(١٠) الدر المصون ٤ / ٧٠٩.
(١١) مشكل الإعراب المرجع السابق.
(١٢) كذا في النسختين وفي الدر المصون له «يبعد» بدل «منعه».