يقيّضّ (١) مبنيا للمفعول شيطان بالرفع قائم مقام الفاعل.
فصل (٢)
«ومن يعش عن ذكر الرّحمن» أي يعرض عن القرآن ، وقيل : يعرض عن الله ، فلم يخف عقابه ولم يرج ثوابه (٣) ، يقال : عشوت إلى النار ، أعشو عشوا ، إذ قصدتها مبتديا ، وعشوت عنها إذا أعرضت عنها ، كما يقال : عدلت إلى فلان ، وعدلت عنه أي ملت إليه ، وملت عنه(٤).
قال القرطبي (٥) : تولية ظهره ، كقوله : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) [البقرة : ١٨ و ١٧١] وقال الخليل : أصل العشو النظر ببصر ضعيف (٦). وأما القراءة بالضم فمعناه : يتعام عن ذكره أي يعرف أنه الحق ويتجاهل ويتعامى ، كقوله تعالى : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) [النمل : ١٤].
(نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً) أي نضمه إليه ، ونسلطه عليه (٧)(فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) لا يفارقه ، يزين له العمى ويخيل إليه أنه الهدى.
قوله : (وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ).
«وإنهم» يعني الشياطين (لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ) أي يمنعونهم عن الهدى. وذكر الشياطين والإنسان بلفظ الجمع ، لأن قوله (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً) يفيد الجمع وإن كان اللفظ على الواحد (٨).
قال أبو حيان : الظاهر أن ضميري النصب في (وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ) عائدان على «من» من حيث معناها راعى لفظها أولا ، فأفرد (في) (٩) «له» ثم راعى معناها فجمع في قوله: (وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ) والضمير المرفوع على الشيطان لأن المراد به الجنس ، ولأن كل كافر معه قرين.
وقال ابن عطية : إن الضمير الأول للشياطين (١٠) ، والثاني للكفار (١١) والتقدير : وإن
__________________
(١) ذكرها أبو حيان في بحره ٨٥ / ١٦ وكلتا القرائتين شاذتان.
(٢) في ب قوله بدل «فصل».
(٣) ذكره أبو حيان في البحر ٨ / ١٦.
(٤) انظر اللسان عشا.
(٥) ذكر التاسع في النسختين القرطبي وهو القرظي كما صنعت وانظر رأيه في القرطبي ١٦ / ٩٠.
(٦) المرجع السابق.
(٧) قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٤١٢.
(٨) الرازي ٢٧ / ٢١٢.
(٩) سقط من ب.
(١٠) في ب للشيطان بالإفراد.
(١١) البحر المحيط بالمعنى ٨ / ١٦ والدر المصون ٤ / ٧٨٥. وقد سبق إلى ذلك الزمخشري في الكشاف ٣ / ٤٨٨.