الله. وقيل لابن مسعود : هل لك في الوليد بن عقبة تقطر لحيته خمرا؟ فقال : إنّا قد نهينا عن التّجسّس فإن يظهر لنا شيئا نأخذه به (١).
فصل
واعلم أن الظن تبنى عليه القبائح فالعاقل إذا وقف أموره على اليقين قلّ ما يتيقن في أحد عيبا يلمزه به لأن الوعظ في الصورة قد يكون قبيحا وفي نفس الأمر لا يكون كذلك ؛ لأن الفعل قد يكون فاعله ساهيا أو يكون الرأي مخطئا ، وقوله تعالى : (كَثِيراً مِنَ الظَّنِ) إخراج للظنون التي تبنى عليها الخيرات.
قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ «ظنّوا بالمؤمن خيرا» وقوله : (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) إشارة إلى الأخذ بالأحوط. وقوله : (وَلا تَجَسَّسُوا) إتمام لذلك لأنه تعالى لما قال : (اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ) فهم منه أن المعتبر اليقين. وقوله : (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) أي لا يتناول بعضكم بعضا في غيبته بما يسوؤه مما هو فيه (٢).
قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «أتدرون ما الغيبة؟» قالوا : الله ورسوله أعلم قال : ذكرك أخاك بما يكره. قيل : أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال : إن كان فيه ما تقول فقد أغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهتّه (٣). وفي هذا إشارة إلى وجوب حفظ عرض المؤمن (٤).
قوله : (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً) نصب «ميتا» على الحال من «لحم» أو «أخيه» (٥) ، وتقدم الخلاف في ميتا.
فإن قيل : اللحم ألا يكون ميتا؟
فالجواب : بلى (٦). قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «ما أبين من حيّ فهو ميّت» فسمى القطعة (٧) ميتا.
فإن قيل : إذا جعلناه حالا من الأخ لا يكون هيئة (٨) الفاعل ولا المفعول فلا يجوز جعله
__________________
(١) وانظر البغوي ٦ / ٢٢٨.
(٢) الرازي ٢٨ / ١٣٣ و ١٣٤.
(٣) أخرجه البغوي في معالم التنزيل عن أبي هريرة ٦ / ٢٢٩.
(٤) ذكره العكبري في التبيان ١١٧٢.
(٥) فقد قرأ نافع وحده ميتا بالتشديد والباقون ميتا. وانظر السبعة ٦٠٦ والكشف ٢ / ٢٨٤ وهي سبعيّة متواترة. وقد ذكرها صاحب الإتحاف ٣٩٨.
(٦) كذا تكون الصحة فالإجابة ببلى إلا إذا كان التقدير على الاستفهام فإنه تكون النسختان صحيحتين.
(٧) في الرازي الغلفة ، وهو الأصح يقال : قلب أغلف بيّن الغلفة كأنه غشي بغلاف فهو لا يعي شيئا.
وانظر اللسان «غلف» وكذا يكون المقصود من الكلام. وانظر الرازي ٢٨ / ١٣٥.
(٨) في الرازي : هو الفاعل.