فصل
قال أهل الأثر : إن الله تعالى خلق الأرض يوم الأحد والإثنين ، وخلق سائر ما في الأرض يوم الثلاثاء والأربعاء وخلق السماوات وما فيها في يوم الخميس والجمعة ، وفرغ في آخر ساعة من يوم الجمعة فخلق فيها آدم ، وهي الساعة التي تقوم فيها القيامة.
فإن قيل : اليوم عبارة عن النهار والليل ، وذلك إنما يحصل بطلوع الشمس وغروبها ، وقبل حدوث السماوات والشمس والقمر كيف يعقل حصوم اليوم؟
فالجواب : معناه أنه مضى من المدة ما لو حصل هناك فلك وشمس لكان المقدار مقدرا بيوم (١). وقضاء الشيء إتمامه (٢) والفراغ منه.
قوله : (وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها). قال عطاء عن ابن عباس (٣) رضي الله عنهما : خلق في كل سماء خلقها من الملائكة وما فيها من البحار ، وجبال البرد ، وما لا يعلمه إلا الله تعالى ، وقال قتادة والسدي : يعني خلق فيها شمسها وقمرها ونجومها. وقال مقاتل : وأوحى إلى كل سماء ما أراد من الأمر والنهي ، وذلك يوم الخميس والجمعة ، قال السدي : ولله في كل سماء بيت يحج إليه ويطوف به الملائكة ، كل واحد منها مقابل للكعبة بحيث لو وقعت منه حصاة لوقعت على الكعبة.
قوله : (وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ) وهي النيرات التي خلقها في السماوات ، وخص كل واحد بضوء معين ، وسر معين وطبيعة معينة لا يعرفها إلا الله تعالى.
قوله : «وحفظا» في نصبه وجهان :
الأول : أنه منصوب على المصدر بفعل مقدر ، أي : وحفظناها بالثواقب من الكواكب حفظا (٤).
والثاني : أنه مفعول من أجله على المعنى ؛ فإن التقدير : خلقنا الكواكب زينة وحفظا (٥) ، قال أبو حيان «وهو تكلف وعدول عن السهل البين» (٦).
__________________
(١) انظر تفسير الإمام الرازي ٢٧ / ١٠٧ والكشاف بإجمال ٣ / ٤٤٧.
(٢) اللسان قضى ٣٦٦٥.
(٣) هذه الأقوال ذكراها العلامة البغوي في «معالم التنزيل» ٦ / ١٠٦ ، وكذلك الخازن في «لباب التأويل» السابق ، والقرطبي ١٥ / ٣٤٥ وانظر أيضا الرازي ٢٧ / ١٠٧ ، والبحر المحيط ٧ / ٤٨٨.
(٤) قاله العكبري في التبيان ١٠٢٤ والأخفش في المعاني ٦٨١ والزجاج في معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٣٨٢ ، والزمخشري في الكشاف ٣ / ٤٤٧ ، والسمين في الدر ٤ / ٧٢٢ ونقله في إعراب القرآن ٤ / ٥٢ والمغني ٤٧٩.
(٥) قال بهذا الوجه كسابقه العكبري والكشاف والسمين المراجع السابقة.
(٦) بالمعنى من البحر فإنه قال : «ولا حاجة إلى هذا التقدير الثاني وتكلفه مع ظهور الأول وسهولته» البحر ٧ / ٤٨٨.