أشهرهما : أنه جمع سلفة كغرفة وغرف (١). والسّلفة الأمّة.
وقيل : الأصل سلفا بضمتين ، وإنّما أبدل من الضمة فتحة (٢).
وقوله : «مثلا» إما مفعول ثان إن كانت بمعنى صير ، وإلّا حالا (٣). قال الفراء (٤) والزجاج (٥) : جعلناهم متفرقين ليتعظ بهم الآخرون ، وهم كفار أمة محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ والمعنى ومثلا للآخرين أي عظة لمن بقي بعدهم وعبرة.
قال أبو علي الفارسي : المثل واحد يراد به الجمع ، ومن ثم عطف على سلف والدليل على وقوعه (على) أكثر من واحد قوله تعالى : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً) [النحل : ٧٥]. فأدخل تحت المثل شيئين (٦) وقيل : المعنى سلفا لكفار هذه الأمة إلى النار ، ومثلا لمن يجيء بعدهم.
قوله تعالى : (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (٥٧) وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (٥٨) إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (٥٩) وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (٦٠) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١) وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٢) وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (٦٣) إِنَّ اللهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦٤) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ)(٦٥)
قوله تعالى : (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً) اعلم أنه تعالى ذكر أنواعا كثيرة من كفراناتهم ، فأولها : قوله تعالى : (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً).
وثانيها : قوله : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً).
وثالثها : قوله : (وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ).
ورابعها : قوله : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ).
__________________
(١) ذكره الزجاج في المرجع السابق وأبو البقاء في التبيان ١١٤١.
(٢) للتخفيف انظر هذين الوجهين كليهما في المرجع السابق والدر المصون ٤ / ٧٩٥.
(٣) المرجعين السابقين.
(٤) قال الفراء كأن واحدته سلفة من الناس أي قطعة من الناس مثل أمة فهو قد فسر السّلف بضم السين واللام انظر معاني الفراء ٣ / ٣٦.
(٥) فسرها بفتح اللام والسين قال : جعلناهم سلفا متقدمين ليتعظ بهم الآخرون معاني الزجاج ٤ / ٤١٦.
(٦) انظر في هذا الرازي ٢٧ / ٢٢٠.