الدنيا لا ينفعهم فقال : (وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً) أي من الأموال.
قوله : (وَلا مَا اتَّخَذُوا) عطف على ما كسبوا و «ما» فيهما إما مصدرية أو بمعنى الذي أي لا يغني كسبهم ولا اتخّاذهم ، أو الذي كسبوه ولا الذي اتخذوه (١).
فإن قيل : إنه قال قبل هذه الآية : (وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) ثم قال ههنا : (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) فما الفرق بينهما؟
فالجواب : كون العذاب مهينا يدلّ على حصول الإهانة مع العذاب وكونه عظيما يدل على كونه بالغا إلى أقصى الغايات في الضّرر (٢).
قوله : «هذا هدى» يعني هذا القرآن هدى أي كامل في كونه هدى من الضلالة (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) وقد تقدم الكلام على الرجز الأليم في «سبأ» والرجز أشدّ العذاب لقوله تعالى : (رِجْزاً مِنَ السَّماءِ) [البقرة : ٥٩] وقوله : (لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ) [الأعراف : ١٣٤]. وقرىء «أليم» بالجر ، والرفع (٣) ، أما الرفع فتقديره لهم عذاب أليم ، ويكون (المراد) (٤) من الرجز النّجس الذي هو النجاسة ، ومعنى النجاسة فيه قوله : (وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ) [إبراهيم : ١٦] وكأن المعنى لهم عذاب من تجرّع رجس أو (٥) شرب رجس ، فيكون تنبيها للعذاب ، وأما الجر فتقديره لهم عذاب من عذاب أليم ، وإذا كان عذابهم من عذاب أليم كان عذابهم أليما (٦).
قوله تعالى : (اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢) وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١٣) قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٤) مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) (١٥)
قوله تعالى : (اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ) بأمره ... (٧) الآية لما ذكر تعالى الاستدلال بكيفية جريان الفلك على وجه البحر ؛ وذلك لا يحصل إلا بتسخير ثلاثة أشياء: أحدها : الرياح التي توافق المراد. وثانيها : خلق وجه الماء على الملاسة التي تجري عليها الفلك. وثالثها : خلق الخشبة على وجه تبقى طافية على وجه الماء ولا تغرق
__________________
(١) التبيان ١١٥١.
(٢) الرازي المرجع السابق ٢٧ / ٢٦١ و ٢٦٢.
(٣) ذكرها الزمخشري والرازي في تفسيرهما الأول في الكشاف ٣ / ٥١٠ والثاني في التفسير الكبير ٢٧ / ٢٦٢.
(٤) زيادة للسياق.
(٥) في أ«أي» تحريف.
(٦) ذكر هذه التوجيهات الرازي في مرجعه السابق.
(٧) في ب الله الذي سخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره ؛ فخلط بين آية الجاثية التي معنا ، وبين آية إبراهيم ٣٢.