قوله : «فأصبحوا لا يرى إلّا مساكنهم» قرأ حمزة وعاصم لا يرى بضم الياء من تحت مبنيّا للمفعول «مساكنهم» بالرفع لقيامه مقام الفاعل ، والباقون من السبعة (١) بفتح تاء الخطاب مساكنهم بالنّصب مفعولا به. والجحدريّ والأعمش وابن أبي إسحاق والسّلميّ وأبو رجاء بضم التاء من فوق (٢) مبنيا للمفعول مساكنهم بالرفع لقيامه مقام الفاعل ، إلا أن هذا عند الجمهور لا يجوز ، أعني إذا كان الفاصل «إلا» فإنه يمتنع لحاق علامة التأنيث (في الفعل) (٣) إلّا في ضرورة(٤) كقوله ـ (رحمهالله) ـ :
٤٤٥٧ ـ كأنّه جمل وهم وما بقيت |
|
إلّا النّحيزة والألواح والعصب (٥) |
وعيسى الهمداني : لا يرى بالياء من تحت مبنيا للمفعول مسكنهم بالتوحيد (٦).
ونصر بن عاصم بتاء الخطاب مسكنهم (٧) بالتوحيد أيضا منصوبا. واجتزىء بالواحد عن الجمع.
فصل
روي أن الريح كانت تحمل الفسطاط فترفعها في الجوّ ، وتحمل الظّعينة حتى ترى كأنها جرادة (٨) وقيل : إن أوّل من أبصر العذاب امرأة بينهم قالت : (رأيت) (٩) ريحا فيها كشهب النار.
وروي أن أول ما عرفوا به أنه عذاب أليم أنهم رأوا ما كان في الصحراء من
__________________
(١) وهم ابن كثير ونافع وابن عامر وأبو عمرو والكسائي وهي متواترة انظر السبعة ٥٩٨ والإتحاف ٣٩٣ والكشف لمكي ٢ / ٢٧٤.
(٢) وهي شاذة ذكرها أبو الفتح بن جني في المحتسب ٢ / ٢٦٥ وانظر البحر ٨ / ٦٥ والكشاف ٣ / ٥٢٤.
(٣) ما بين الأقواس ساقط من نسخة ب.
(٤) قال أبو الفتح : «أمّا «ترى» بالتاء ورفع المساكن فضعيف في العربية والشعر أولى بجوازه من القرآن وذلك أنه من مواضع العموم في التذكير فكأنه في المعنى لا يرى شيء إلا مساكنهم وإذا كان المعنى هذا كان التذكير لإرادته هو الكلام». المحتسب ٢ / ٢٦٦.
(٥) كذا رواه المؤلف تبعا للبحر المحيط لأبي حيان وفي اللسان : كأنها ـ أي الناقة ـ وهو من البسيط والوهم : أراد به الضّخم. والجمل والجمّل حبل السفينة. والنّحيزة من نحز البعير إذا أصابه النّحاز وهو داء يصيب الإبل ، ولوح الجسد عظمة يصفها صارت من الهزال بمنزلة الحبل فما بقي فيها شيء سوى النفس والعظم والعصب. والشاهد : تأنيث الفعل في «بقيت» رغم الفصل بإلا وتلك ضرورة شعرية وانظر البحر ٨ / ٦٥ واللسان «وهم» ٤٩٣٤ ومجمع البيان للطبرسي ٩ / ١٣٥ والديوان ٢ / ٤٣ تحقيق د. عبد القدوس أبو صالح ط مؤسسة الإيمان بيروت الطبعة الأولى.
(٦) قراءة شاذة ذكرها أبو حيان في البحر ٨ / ٦٥.
(٧) المحتسب ٢ / ٢٦٥ والبحر المرجع السابق.
(٨) الكشاف ٣ / ٥٢٤.
(٩) سقط من ب.