قبضتها» (١) وعنه قال : قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لا يسبّ أحدكم الدّهر فإنّ الدّهر هو الله ، ولا يقولنّ للعنب الكرم ، فإنّ الكرم هو الرّجل المسلم (٢). ومعنى الحديث أن العرب كان من شأنها ذم الدهر وسبه عند النوازل ، لأنهم كانوا ينسبون إليه ما يصيبهم من المصائب والمكاره فيقولون : أصابتهم قوارع الدهر ، وأبادهم الدهر ، كما أخبر الله عنهم : (وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) فإذا أضافوا إلى الدهر ما نالهم من الشدائد سبوا فاعلها فكان يرجع سبّهم إلى الله ـ عزوجل ـ ؛ إذ هو الفاعل في الحقيقة للأمور التي يضيفونها إلى الدهر فنهوا عن سبّ الدهر (٣).
قوله تعالى : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) قرأ العامة بنصب «حجتهم». وزيد بن عليّ ، وعمرو بن عبيد ، وعبيد ابن عمرو (٤) بالرفع وتقدم تأويل ذلك و «ما كان» جواب «إذا» الشرطية (٥). وجعله أبو حيان دليلا على عدم إعمال جواب «إذا» فيها لأن «ما» لا يعمل ما بعدها فيما قبلها. قال: وخالفت غيرها من أدوات الشرط ، حيث لم يقترن بالفاء جوابها إذا نفي بما (٦).
فصل
سمى قولهم حجة لوجوه :
الأول : لزعمهم أنه حجة.
الثاني : أن من كانت حجته هذا فليس له ألبتة حجة كقوله :
٤٤٤٥ ـ ......... |
|
تحيّة بينهم ضرب وجيع (٧) |
__________________
(١) ذكره أحمد أيضا في مسنده ٢ / ٢٥٩ و ٢٧٢ و ٢٧٥ و ٣١٨ و ٩٣٤.
(٢) ذكره أيضا أحمد في مسنده ٢ / ٢٣٨ و ٢٧٢ و ٣٩٥ و ٤٩١ و ٤٩٩ و ٥٠٦.
(٣) انظر القرطبي ١٦ / ١٧٠ ـ ١٧٢.
(٤) رويت أيضا عن الحسن ـ رضي الله عنه ـ انظر الإتحاف ٣٩٠ والبحر المحيط ٨ / ٤٩ والكشاف ٣ / ٥١٣ ، والرفع على أساس أن حجتهم اسم كان والخبر «إِلَّا أَنْ قالُوا». والنصب على أن «حجتهم» خبر كان مقدم.
(٥) انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ٤٣٤ والدر المصون ٤ / ٨٤٠ والكشاف ٣ / ٥١٣.
(٦) بالمعنى من البحر المحيط ٨ / ٤٩ ، وباللفظ من الدر المصون ٤ / ٨٤٠.
(٧) عجز بيت من الوافر لعمرو بن معد يكرب وصدره :
وخيل قد دلفت لها بخيل
والخيل : الفرسان ، ودلفت : زحفت ، ووجيع موجع. يقول : إذا تلاقوا في الحرب جعلوا الضرب الوجيع بدلا من تحية بعضهم البعض والشاهد : جعل الضرب تحية على الاتّساع والمجاز ، وانظر الكتاب ٢ / ٣٢٣ و ٣ / ٥٠ والتصريح ١ / ٣٥٣ وابن يعيش ٢ / ٨٠ والخصائص ٤ / ٣٥ والرازي ٢٧ / ٢٧٠.