مثلها» ثم بين أن العفو أولى بقوله : (فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ) فزال السؤال.
قوله : (هُمْ يَنْتَصِرُونَ) إعرابه كإعرابه : (وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) ففيه ما تقدم ، إلا أنه يزيد هنا أنه يجوز أن يكون «هم» توكيدا للضمير المنصوب في «أصابهم» أكد بالضمير المرفوع وليس فيه إلا الفصل بين المؤكد والمؤكد ، والظاهر أنه غير ممنوع (١).
قوله تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها ...) الآية لما قال : (وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) بين بعده أن ذلك الانتصار يجب أن يكون مقيدا بالمثل ، فإن العدل هو المساواة ، وسمي الجزاء سيئة وإن كان مشروط مأذونا فيه قال الزمخشري : كلتا الفعلتين : الأولى : وجزاؤها سيئة ؛ لأنها تسوء من تنزل به ، قال تعالى : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ) [النساء : ٧٨] يريد : ما يسوءهم من المصائب والبلاء (٢). وأجاب غيره بأنه لما جعل أحدهما في مقابلة الآخر أطلق اسم أحدهما على الآخر مجازا والأول أظهر (٣). وقال آخرون : إنما سمي الجزاء سيئة وإن لم يكن سيئة لتشابههما في الصّورة (٤).
فصل
قال مقاتل : يعني القصاص في الجراحات والدماء. وقال مجاهد والسدي : هو جواب القبيح إذا قال : أخزاك الله تقول : أخزاك الله وإذا شتمك فاشتمه بمثلها من غير أن تعتدي (٥). قال سفيان بن عيينة : قلت لسفيان الثوريّ : ما قوله عزوجل : وجزاء سيئة سيئة مثلها؟ قال : أن يشتمك رجل فتشتمه أو يفعل بك فتفعل به فلم أجد عنده شيئا ، فسألت هشام بن حجير (٦) عن هذه الآية فقال : الجارح إذا جرح يقتص منه وليس هو أن يشتمك فتشتمه (٧).
فصل
دلت هذه الآية على أن المسلم لا يقتل بالذمّيّ وأن الحرّ لا يقتل بالعبد ؛ لأن المماثلة شرط لجريان القصاص وهي مفقودة في المسألتين ، وأيضا فإن الحر إذا قتل العبد
__________________
(١) هو قول أبي حيان في البحر ٧ / ٥٢٢ قال : وقال الحوفي : وإن شئت جعلت «هم» توكيدا للهاء والميم يعني في أصابهم ، وهو ضمير رفع ، وفي هذا نظر ، وفيه الفصل بين المؤكد والتوكيد بالفاعل (وهو البغي) وهو فعل الظاهر أنه لا يمتنع. البحر ٧ / ٥٢٢ فكأن الرأي الذي أورده المؤلف أعلى هو رأي الحوفي نقلا عن السمين في الدر عن أبي حيان في البحر ، وانظر الدر المصون ٤ / ٧٦٢.
(٢) في الكشاف : والبلايا وانظر الكشاف ٣ / ٤٧٣.
(٣) وانظر الرازي ٢٧ / ١٧٨.
(٤) البغوي ٦ / ١٢٧.
(٥) الخازن والبغوي السابق ٦ / ١٢٧.
(٦) في ب حجة تحريف وتصحيف وهو هشام بن حجير ـ مصغرا ـ المكي صدوق له أوهام من السادسة.
انظر تقريب التهذيب ٢ / ٣١٧.
(٧) انظر معالم التنزيل للبغوي ٦ / ٣١٧.