رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ) فإنه يأتي بثلاثة أنواع من الأقاويل الفاسدة الموجبة للكفر والبعد عن الله (١).
فالأول : قوله (لَيَقُولَنَّ هذا لِي) وهو جواب القسم لسبقه الشرط ، وجواب الشرط محذوف كما تقدم تقريره (٢).
وقال أبو البقاء : ليقولن جواب الشرط والفاء محذوفة (٣). قال شهاب الدين (رحمهالله (٤)) وهو لا يجوز إلا في شعر كقوله :
٤٣٦٧ ـ من يفعل الحسنات الله يشكرها |
|
......... (٥) |
حتى إنّ المبرد يمنعه في الشعر ، ويروى البيت :
٤٣٦٨ ـ من يفعل الخير فالرّحمن يشكره (٦)
فصل
معنى قوله : «هذا لي» أي هذا حقي وصل إليّ ؛ لأني استوجبته بعلمي وعملي ، ولا يعلم المسكين أن أحدا لا يستحق على الله شيئا ، لأنه إن كان عاريا من الفضائل ، فكلامه ظاهر الفساد ، وإن كان موصوفا بشيء من الفضائل والصفات الحميدة فهي إنما حصلت بفضل الله تعالى وإحسانه ، فيثبت بهذا فساد قوله : إنما حصلت هذه الخيرات بسبب استحقاقي.
النوع الثاني من كلامه الفاسد : قوله : (وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً) ، والمعنى أنه يكون شديد الرغبة في الدنيا عظيم النّفرة عن الآخرة فإذا آل الأمر إلى أحوال الدنيا يقول : إنها لي ، وإذا آل الأمر إلى الآخرة يقول : وما أظنّ السّاعة قائمة.
النوع الثالث من كلامه الفاسد : قوله : (وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى) أي أن هذا الكافر يقول : لست على يقين من البعث وإن كان الأمر على ذلك ورددت إلى ربي إن لي عنده للحسنى أي الجنة ، كما أعطاني في الدنيا سيعطيني في الآخرة. ولما
__________________
(١) وانظر في هذا كله الفخر الرازي ٢٧ / ١٣٧.
(٢) ذكره السمين في الدر ٤ / ٧٤٠ وانظر التبيان ١١٢٩.
(٣) السابق.
(٤) زيادة من أ.
(٥) صدر بيت من البسيط عجزه :
.......... |
|
والشّرّ بالشرّ عند الله مثلان |
وهو لعبد الرحمن بن حسّان. واستشهد به على حذف الفاء من قوله : «الله يشكرها» والأصل فالله يشكرها ، ولم يرتض المبرد هذا. وقد تقدم.
(٦) قال المبرد في المقتضب : فلا اختلاف بين النحويين أنه على إرادة الفاء ؛ لأن التقديم فيه لا يصلح وانظر نوادر أبي زيد ٢٠٧ ، ٢٠٨.