و :
٤٤٤٢ ـ لم يعن بالعلياء إلّا سيّدا (١)
والبصريون لا يجيزونه.
فصل
المعنى لكي نجازي بالمغفرة قوما يعملون الخير.
فإن قيل : ما الفائدة من تنكير «قوما» مع أن المراد بهم المؤمنون المذكورون في قوله : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا)؟
فالجواب : أن التنكير بدل على تعظيم شأنهم ، كأنه قيل : ليجزي قوما وأيّ قوم قوما من شأنهم الصّفح عن السّيئات ، والتجاوز عن المؤذيات ، وتجرع المكروه ، كأنه قيل : لا تكافئوهم أنتم حتى نكافئهم نحن. ثم ذكر الحكم العام فقال : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ) وهو مثل ضربه الله للذين يغفرون (وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) مثل ضربه الله للكفار الذين كانوا يؤذون الرسول والمؤمنين (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ).
قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٦) وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٧) ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (١٨) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ)(١٩)
قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ) يعني التوراة (وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ) والمراد بهذه الآية أنه تعالى بين أنه أنعم بنعم كثيرة على بني إسرائيل مع أنه حصل بينهم الاختلاف على سبيل البغي والحسد ، والمقصود منه أن يبين أن طريقة قومه كطريقة من تقدّم. واعلم أن المراد بالكتاب التوراة وأما الحكم ، فقيل : المراد به العلم والحكم.
وقيل : المراد العلم بفصل الحكومات (٢). وقيل : معرفة أحكام الله وهو علم الفقه. وأما
__________________
(١) رجز وهو لرؤية وهو من الأبيات المشهورة في النحو ، وقد ورد الفعل مضبوطا بالفتح فتح الياء «يعن» وعليه فلا شاهد حينئذ. والشاهد : لم يعن بالعلياء فأناب الجار والمجرور وهو بالعلياء مكان الفاعل المحذوف بدليل نصب «سيّدا» وهذا حجة للكوفية والأخفش في نيابة الجار والمجرور مكان الفاعل مع وجود المفعول. قال أبو الفتح في الخصائص : «وأجاز أبو الحسن ضرب الضّرب الشّديد زيدا ، ودفع الدّفع الذي تعرف إلى محمد ، وقتل القتل يوم الجمعة أخاك ، ونحو هذه من المسائل ، ثم قال : وهو جائز في القياس وإن لم يرد به الاستعمال» وانظر الخصائص ١ / ٣٩٧ ، وابن يعيش ٧ / ٧٥ والهمع ٢ / ١٦٢ وانظر البيت أيضا في اللسان (عنا) ٣١٤٦ و ٣١٤٧ والأشموني ٣ / ٦٨ ، والتصريح ١ / ٢٩١ وملحقات ديوان رؤبة ١٧٣.
(٢) في ب الخصومات وهو أقرب.