وقيل : العامل في مثل هذا التركيب فعل محذوف يدل عليه المعنى ، أي انظر إليه في حال شيخه (١) فلا يكون اسم الإشارة عاملا ولا حرف التنبيه إن كان هناك (٢). قال شهاب الدين : بل الآية نحو : هذا بعلي شيخا من حيثيّة (٣) نسبة العمل لاسم الإشارة غاية ما ثمّ أن في الآية الأخرى ما يصلح أن يكون عاملا ، وهذا لا يقدح في التنظير إذا قصدت جهة مشتركة ، وأما إضمار الفعل فهو مشترك في الموضعين عند من يرى ذلك (٤) قال ابن عطية : وفي «نتلوها» حذف مضاف ، أي نتلو شأنها وشرح العبرة فيها ويحتمل أن يريد بآيات الله القرآن المنزل في هذا المعنى ، فلا يكون فيها حذف مضاف (٥).
وقرأ بعضهم : يتلوها بياء الغيبة ، عائدا على الباري تعالى (٦).
قوله : «بالحقّ» حال من الفاعل ، أي ملتبسين بالحق ، أو من المفعول ، أي ملتبسة بالحق. ويجوز أن تكون (الباء) للسببية فتتعلق بنفس «نتلوها» (٧).
قوله : «فبأيّ حديث بعد الله وآياته» قال الزمخشري : أي بعد آيات الله ، فهو كقولك: أعجبني زيد كرمه ، يريدون : كرم زيد. وردّه عليه أبو حيان بأنه ليس مرادا ، بل المراد إعجابان ، وبأنّ فيه إقحاما (٨) للأسماء من غير ضرورة ، قال : وهذا قلب لحقائق النّحو (٩).
وقرأ الحرميّان وأبو عمرو وعاصم ـ في رواية ـ «يؤمنون» بياء الغيبة والباقون بتاء الخطاب(١٠). و «فبأيّ» متعلق به ، قدم لأن له صدر الكلام. واختار أبو عبيد الياء ، لأن فيه غيبة ، وهو قوله : (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) ، و (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)(١١).
فإن قيل : في أول الكلام خطاب ، وهو قوله : (وَفِي خَلْقِكُمْ) قلنا : الغيبة أقرب إلى الحرف المختلف فيه فكان أولى (١٢).
فصل
ومعنى الآية أن من لم ينتفع بهذه الآيات ، فلا شيء بعده يجوز أن ينتفع به. وهذه
__________________
(١) في ب : شيخة.
(٢) البحر المحيط ٨ / ٤٣.
(٣) في ب حيث وما هو أعلى موافق لما في الدر المصون لشهاب الدين.
(٤) الدر المصون ٤ / ٣٠ وغالبية النحاة يرون عمل حرف التنبيه واسم الإشارة في الحال وممّن منع ذلك السهيلي. انظر ابن يعيش ٢ / ٥٨ ، وشرح الرضي ١ / ١٠١ ، والهمع ١ / ٢٤٤ ، والأشموني ٢ / ١٠.
(٥) البحر المحيط ٨ / ٤٣.
(٦) لم تنسب في البحر المحيط ٨ / ٤٣ ولا في الكشاف ٣ / ٥٠٩.
(٧) الدر المصون ٣ / ٨٣١.
(٨) في النسختين إلحام خطأ.
(٩) البحر المحيط المرجع السابق ٨ / ٤٤.
(١٠) قراءة متواترة انظر السبعة ٥٩٤ و ٥٩٥ والإتحاف ٣٨٩.
(١١) الرازي ٢٧ / ٢٦٠.
(١٢) المرجع السابق.