الثاني : أن يتعلق بمحذوف دل عليه تشبيههم بالزرع في نمائهم وتقويتهم. قاله الزمخشري (١) ، أي شبههم الله بذلك ليغيظ.
الثالث : أن يتعلق بما دل عليه قوله : (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ ....) إلى آخره أي جعلهم بهذه الصفات ليغيظ.
قال مالك بن أنس ـ (رضي الله عنه) (٢) ـ «من أصبح في قلبه غيظ على أصحاب رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقد أصابته هذه الآية» (٣). وقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «الله الله في أصحابي لا تتّخذوهم عرضا بعدي ، فمن أحبّهم فبحبّي أحبّهم ، ومن أبغضهم (٤) فببغضي أبغضهم ومن أذاهم فقد أذاني ومن أذاني فقد أذى الله فيوشك أن يأخذه» (٥). وقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «لا تسبّوا أصحابي فو الّذي نفسي بيده لو أنّ أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مدّ أحدهم ولا نصيفه» (٦).
قوله : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ) «من» هذه للبيان ، لا للتبعيض ؛ لأن كلهم كذلك فهي كقوله : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) [الحج : ٣٠]. وقال الطبري : منهم يعني من الشطء الذي أخرج الزرع ، وهم الداخلون في الإسلام إلى يوم القيامة ، فأعاد الضمير على معنى الشطء لا على لفظه فقال : «منهم» ولم يقل : منه وهو معنى حسن(٧).
فصل
قد تقدم الكلام على الأجر العظيم والمغفرة مرارا. وقال ههنا في حق الراكعين السّاجدين : إنهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وقال : (لَهُمْ أَجْرٌ) ولم يقل : لهم ما يطلبو (ن) (٨) ه من الفضل ؛ لأن المؤمن عند العمل لم يلتفت إلى عمله ولم يجعل له أجرا يعتدّ به فقال : لا أبتغي إلا فضلك فإن عملي نزر لا يكون له أجر والله تعالى آتاه (٩) من طلب الفضل ، وسماه أجرا إشارة إلى قبوله (١٠) عمله ووقوعه الموقع (١١).
__________________
(١) الكشاف ٣ / ٥٥١ وقد قال بالوجه الأول فقط.
(٢) زيادة في أالأصل.
(٣) ذكره عنه الخطيب أبو بكر فيما نقله عنه الإمام القرطبي في الجامع ١٦ / ٢٩٦ و ٢٩٧ وقد رواه عن مالك أبو عروة الزبيري انظر المرجع السابق.
(٤) في أالأصل : أبغضني ولعله سهو من الناسخ.
(٥) أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن مغفّل المزنيّ ٤ / ٨٧ و ٥٥ و ٥٧.
(٦) القرطبي ١٦ / ٢٩٧ والبخاري ٢ / ٢٩٢.
(٧) جامع البيان له.
(٨) في النسختين يطلبوه. والتصحيح ما أثبت أعلى.
(٩) في الرازي : آتاه ما آتاه من الفضل.
(١٠) في ب والرازي : قبول بدون عائد.
(١١) انظر الرازيّ ٨ / ١٠٩.