فيهم الكفر ليدخلهم النار فما الذي نفاه بقوله : (وَما ظَلَمْناهُمْ (وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ)؟وما الذي نسبه إليهم مما نفاه عن نفسه؟ أو ليس لو أثبتناه لهم كان لا يزيد عما يقوله القوم؟ فإن قالوا ذلك الفعل لم يقع بقدرة الله عزوجل بل إنما وقع بقدرة الله مع قدرة العبد معا فلم يكن ذلك ظلما من الله تعالى : قلنا (١) : عندكم القدرة على الظلم موجبة للظلم ، وخالق تلك القدرة هو الله تعالى ، وكأنه تعالى لما فعل مع خلق الكفر قدرة على الكفر خرج من أن يكون ظلما لهم ، وذلك محال ، لأن من يكون ظالما في فعله إذا فعل معه ما يوجب ذلك الفعل يكون ذلك أحق فيقال للقاضي : قدرة العبد هل هي صالحة للطرفين أو هي متعيّنة لأحد الطرفين؟ فإن كانت صالحة لكلا الطرفين فالترجيح إن وقع لا لمرجّح ، لزم نفي الصانع ، وإن افتقر إلى مرجّح عاد التقسيم الأول ، وأن ينتهي إلى داعية مرجحة يخلقها الله تعالى في العبد ، وحينئذ يلزمك ما ألزمته علينا. وإن كانت تلك القدرة متعينة لأحد الطرفين فحينئذ يلزمك ما أوردته علينا. قال ابن الخطيب : وليس الرجل من يرى (وجه) (٢) الاستدلال فيذكره إنما الرجل من (٣) ينظر فيما قبل الكلام وفيما بعده ، فإن رآه واردا على مذهبه بعينه لم يذكره (٤).
قوله تعالى : (وَنادَوْا يا مالِكُ) العامة من غير ترخيم. وعليّ بن أبي طالب ، وعبد الله بن وثّاب والأعمش يا مال «مرخّما» (٥) على لغة من ينتظر المحذوف. قيل لابن عباس : إن ابن مسعود قرأ : «ونادوا يا مال» فقال : ما أشغل أهل النار بالترخيم ، وأجيب عنه : بأنه إنما حسن الترخيم لأنهم بلغوا من الضعف والنحافة إلى حيث لا يمكن أن يذكروا من الكلمة إلا بعضها(٦). وقرأ أبو السّرار الغنويّ : يا مال مبنيّا على الضم على لغة من لا ينوي (٧).
فصل
روى ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) (٨) ـ أن أهل النار يدعون مالكا خازن النار يقولون : (لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) ليمتنا ربك فنستريح فيجيئهم مالك بعد ألف سنة (إِنَّكُمْ ماكِثُونَ) مقيمون في العذاب وعن عبد الله بن عمرو بن العاص يجيئهم بعد أربعين سنة وعن غيره مائة سنة (٩).
__________________
(١) هذا رد من الرازي على القاضي.
(٢) سقط من ب.
(٣) في ب ممن.
(٤) انظر هذا كله في تفسير الرازي ٢٧ / ٢٢٧.
(٥) ذكرها أبو الفتح بن جني في المحتسب ٢ / ٢٥٧ قال : هذا المذهب المألوف في الترخيم إلا أن فيه في هذا الموضع سرّا جديدا ، وذلك أنهم لعظم ما هم عليه ضعفت قواهم وذلّت أنفسكم وصغر كلامهم فكان من مواضع الاختصار ضرورة عليه ووقوفا دون تجاوزه.
(٦) الرازي ٢٧ / ٢٢.
(٧) الكشاف ٣ / ٤٩٩ وابن خالويه ١٣٦.
(٨) زيادة من أ.
(٩) القرطبي ١٦ / ١١٧.