الحاشرون لهم هم المأمورون بقوله : (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا) [الصافات : ٢٢] وهم الملائكة ، وأيضا موافقة لقوله : (فَهُمْ يُوزَعُونَ) وأيضا فتقدير القراءة الأولى ، أن الله تعالى قال : (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ) فكان الأولى على هذا التقدير أن يقال : ويوم نحشر أعداءنا إلى النار. وكسر الأعرج شين «يحشر». ثم قال : (فَهُمْ يُوزَعُونَ) أي يساقون ، ويدفعون إلى النار (١). وقال قتادة والسدي : يحبس أولهم على آخرهم ليتلاحقوا (٢). أي (٣) يوقف سوابقهم حتى يصل إليهم تواليهم.
قوله تعالى : (حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٠) وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢١) وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢٢) وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ)(٢٣)
قوله تعالى : (حَتَّى إِذا ما جاؤُها) «حتى» غاية ليحشر والمعنى حتى إذا جاءوا النار فيكون «ما» صلة (٤). وقيل : فيها فائدة زائدة وهي تأكيد أن عند مجيئهم لا بد وأن تحصل هذه الشهادة كقوله تعالى : (أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ) [يونس : ٥١] أي لا بد لوقت وقوعه من أن يكون وقت إيمانهم به (٥).
فصل
في كيفية تلك الشهادة ثلاثة أقوال :
الأول : أن الله تعالى يخلق الفهم والقدرة والنطق فتشهد كما يشهد الرجل على ما يعرفه.
والثاني : أنه تعالى يخلق في تلك الأعضاء الأصوات والحروف الدالة على تلك المعاني (٦).
الثالث : أن يظهر في تلك الأعضاء أحوال تدل على صدور تلك الأعمال من ذلك الإنسان وتلك الأمارات تسمى شهادات كما يقال : يشهد هذا العالم بتغيرات (٧) أحواله على حدوثه.
__________________
(١) قال بهذه التوجيهات بالإضافة لمراجع القراءات السابقة الرازي في التفسير الكبير ٢٧ / ١١٥.
(٢) البغوي ٦ / ١٠٩.
(٣) هذا التفسير قاله الرازي في مرجعه السابق.
(٤) أي زائدة.
(٥) نقله الرازي في التفسير الكبير ٢٧ / ١١٥ ، بالمعنى من كشاف الزمخشري ٣ / ٤٥٠.
(٦) قال الرازي : كما خلق الكلام في الشجرة.
(٧) في ب بتغييرات بمد الياء.