فصل
ذكر المفسرون أن اليهود قالوا للنبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ألا تكلم الله وتنظر إليه إن كنت نبيا كما كلمه موسى ونظر إليه؟ فقال : لم ينظر موسى إلى الله عزوجل. فأنزل الله تعالى وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أي يوحي إليه في المنام أو بالإلهام أو من وراء حجاب يسمعه كلامه ولا يراه كما كلم موسى عليه الصّلاة والسّلام أو يرسل رسولا إما جبريل أو غيره من الملائكة فيوحي بإذنه ما يشاء أن يوحي ذلك الرسول إلى المرسل إليه بإذن الله (١) ما يشاء (٢).
وهذه الآية تدل على (أن) (٣) الحسن لا يحسن لوجه عائد إليه وأن القبح لا يقبح لوجه عائد إليه بل الله إنما يأمر بما يشاء من غير تخصيص وأنه ينهى عما يشاء من غير تخصيص ، إذ لو لم يكن الأمر كذلك لما صح قوله : «ما يشاء» ، ثم قال : (إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) أي عليم بصفات المخلوقين حكيم تجري (٤) أفعاله على الحكمة فيتكلم تارة بغير واسطة على سبيل الإلهام وأخرى بإسماع الكلام وثالثا بواسطة الملائكة الكرام. ولما بين الله كيفية أقسام الوحي إلى الأنبياء ـ عليهم الصّلاة والسّلام ـ قال : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) أي كما أوحينا إلى سائر رسلنا أوحينا إليك روحا من أمرنا.
قال ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) (٥) ـ نبوة. وقال الحسن ـ (رضي الله عنه) (٦) ـ : رحمة وقال السدي ومقاتل : وحيا. وقال الكلبي : كتابا ، وقال الربيع ، جبريل. وقال مالك بن دينار : يعني القرآن (٧).
قوله : (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ) «ما» الأولى نافية والثانية استفهامية ، والجملة الاستفهامية معلقة للدّراية (٨) ، فهي في محل نصب لسدها مسد مفعولين ، والجملة المنفية بأسرها في محل نصب على الحال من الكاف في : «إليك» (٩).
فصل (١٠)
المعنى : وما كنت تدري قبل الوحي ما الكتاب ولا الإيمان يعني شرائع الإيمان
__________________
(١) في ب بإذنه.
(٢) البغوي ٦ / ١٢٩.
(٣) سقط من ب.
(٤) الرازي ٢٧ / ١٩٠.
(٥) زيادة من أ.
(٦) كذلك.
(٧) انظر هذه الأقوال في البغوي والخازن ٦ / ١٢٩ والقرطبي ١٦ / ٥٤.
(٨) ذكره السمين في الدر المصون ٤ / ٧٦٨ عن أبي حيان في البحر المحيط ٧ / ٥٢٨.
(٩) ذكره العكبري في تبيانه ١١٣٦ ، وانظر الدر المصون السابق.
(١٠) هذا الفصل كله سقط من ب.