وقال أكثر المفسرين : سل مؤمني أهل الكتاب الذين أرسلت إليهم الأنبياء هل جاءتهم الرسل إلا بالتوحيد ، وهو قول ابن عباس في سائر الروايات ومجاهد وقتادة والضحاك والسدي والحسن ، ويدل عليه قراءة عبد الله وأبي : واسأل الذين أرسلنا إليهم قبلك من رسلنا ومعنى الأمر بالسؤال التقرير لمشركي قريش أنه لم يأت رسوله بعبادة غير الله ـ عزوجل ـ.
وقال عطاء سؤال الأنبياء الذين كانوا قبله ممتنع ، فكأن المراد منه : انظر في هذه المسألة بعقلك وتدبرها بفهمك (١).
قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا ...) لما طعن كفار قريش في نبوة محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بكونه فقيرا ، عديم المال والجاه بين الله تعالى أن موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ بعد أن أورد المعجزات القاهرة التي لا يشك في صحتها عاقل ، أورد عليه فرعون هذه الشبهة التي ذكرها كفار قريش فقال : إنه (٢) غنيّ كثير المال والجاه ، ألا ترون أني حصل لي ملك مصر ، وهذه الأنهار تجري من تحتي ، وأما موسى فإنه فقير مهين ، وليس له بيان ولسان ، والرجل الفقير كيف يكون رسولا من عند الله الملك الكبير؟!.
فثبت أن هذه الشبهة التي ذكرها كفار قريش بمكة ، وهي قولهم : (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) قد أوردها بعينها فرعون على موس ى «ثم انتقمنا منهم فأغرقناهم» : فيكون الأمر في حق أعدائك هكذا. فثبت أنّه (ليس) (٣) المقصود من إعادة هذه القصة عينها ، بل المقصود تقرير الجواب عن الشبهة المذكورة (٤).
قوله تعالى : (فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ) قال الزمخشري : فإن قلت: كيف جاز أن يجاب لمّا بإذا المفاجأة؟!.
قلت : لأن فعل المفاجأة معها مقدر ، وهو عامل النصب في محلها ، كأنه قيل : فلما جاءهم بآياتنا فاجأوا وقت ضحكهم. قال أبو حيان : ولا نعلم نحويا (٥) ذهب إلى ما ذهب إليه من أن «إذا» الفجائية تكون منصوبة بفعل مقدر ، تقديره : فاجأ ، بل المذاهب ثلاثة :
__________________
(١) انظر هذه الأفوال في الرازي ٢٧ / ٢١٦ والقرطبي ١٦ / ٩٥ و ٩٦.
(٢) في ب إني دون ضمير.
(٣) ما بين القوسين ساقط من أ.
(٤) ينظر الرازي السابق ٢٧ / ٢١٦.
(٥) وافق ابن الحاجب الزمخشري في مذهبه هذا ورد الإمام الرضيّ عليه فقال : «ويجوز أن يكون ظرف الزمان مضافا إلى الجملة الاسمية ، وعامله محذوف على ما قال المصنف أي ففاجأت وقت وجود السمع بالباب إلا أنه إخراج لإذا عن الظرفية ، إذ هو إذن مفعول به لفاجأت ، ولا حاجة إلى هذه الكلفة ، فإنّ إذا الظرفية غير متصرفة على الصحيح». شرح الكافية للرضي ١ / ١٠٣ ، ١٠٤.