طرق كثيرة عند المستفيدين من الوسائط والأسباب.
ومن الأمور ما سبق العلم الإلهي أنّها لا تنال إلّا من طريق الحواسّ مثلا أو غيرها من الطرق ، لكن إذا شاء الحقّ أن يعلمها أحد من عباده ـ المكرّمين ، المحقّقين ، المتحقّقين بمعرفته ـ دون واسطة ؛ لعلمه سبحانه أنّ هممهم قد خرقت حجب الكون وأنفت الأخذ عن سواه ، تجلّى لهم في مرتبة ذلك الطريق الحسّي أو ما كان ، ثم أفادهم ما أحبّ تعليمه إيّاهم ، فاستفادوا ذلك العلم منه سبحانه دون واسطة ، مع بقاء الخاصّيّة التي حكم بها العلم السابق على حالها ؛ إذ ما سبق به العلم لا يقبل التبديل.
ومن عباد الله من يحصل لنفسه في بعض الأحيان عند هبوب النفحات الجوديّة الإلهيّة أحوال توجب لها الإعراض عمّا سوى الحقّ ، والإقبال بوجوه قلوبها ـ بعد التفريغ التامّ ـ على حضرة الغيب الإلهي المطلق ، في أسرع من لمح البصر ، فتدرك من الأسرار الإلهيّة والكونيّة ما شاء الحقّ.
وقد تعرف تلك النفس هذه المراتب والتفاصيل أو بعضها ، وقد لا تعرف مع تحقّقها بما حصل لها من العلم.
ولمّا كان كلّ متعيّن من الأسماء والصفات وغيرهما حجابا على أصله الذي لا يتعيّن ولا يتميّز إلّا بمعيّن ، (١) وكان الكلام من جملة الصفات ، فهو حجاب على المتكلّم من حيث نسبة علمه الذاتي ، فالكلام المنسوب إلى الحقّ هو التجلّي الإلهي من غيبه وحضرة علمه في العماء الذي هو النفس الرحماني ، ومنزل تعيّن سائر المراتب والحقائق ، فيتعيّن حكم هذا التجلّي بالتوجّه الإرادي للإيجاد أو للخطاب من حيث مظهر المرتبة والاسم الذي يقتضي أن ينسب إليه النفس والقول (٢) الإيجادي ، فيظهر نسبة الاسم «المتكلّم» ثم يسري الحكم المذكور من المقام النفسي الرحماني المشار إليه الذي هو حضرة الأسماء إلى المخاطب بالتخصيص الإرادي والقبول الاستعدادي الكوني ، فيظهر سرّ ذلك التجلّي الكلامي في كلّ مدرك له وسامع حيث ما اقتضاه حكم الإرادة مع انصباغه بحكم حال من ورد عليه ، وما مرّ به من المراتب والأحكام الوقتيّة والموطنيّة وغيرهما ممّا تقرّر من قبل ،
__________________
(١) ب : متعيّن.
(٢) ب : القبول.