إليه من المراتب المتقابلة ؛ فإنّه لا يكون في جميعها (١) من حيث انفرادها قرب متوسّط ، ولا أمر يتعلّق به الإدراك أو يثبت له. والقرب لا يصحّ إلّا بين اثنين فصاعدا ويتفاوت من حيث الأمر الذي نحن بصدد بيانه بحسب قرب النفس من الحضرة النوريّة العلميّة وبعدها بما سنشير إليه ، وبحسب نسبة المدرك من المقام الأحدي الذي هو أوّل مراتب التعيين الآتي تفصيل حكمه وحديثه ، وبمقدار حظّه من الصورة الإلهيّة ؛ فإنّ كثرة الحجب وقلّتها ، وضعف الصفاء وقوّته تابعة لما ذكر.
وسرّ ذلك : أنّ للحضرة الإلهيّة حقيقة وحكما ولها مظاهر ، فالقرب الإلهي المذكور راجع إلى أمرين لا ثالث لهما ، غير نسبة جمعهما (٢) : أحدهما : الأحديّة الإلهيّة الأولى وسيأتي من حديثها ما ييسّر (٣) الله ذكره ـ إن شاء الله تعالى ـ وأتمّ الموجودات حظّا من هذا المقام عالم الأمر ، وأتمّ عالم الأمر قربا وحظّا ممّا ذكرنا العقل الأوّل والملائكة المهيّمة ، ومن الموجودات المتقيّدة بالصور العرش والكمّل والأفراد من بني آدم بعد تحقّقهم بمقام الفرديّة والكمال.
وفي الجملة ، أيّ موجود كانت نسبته إلى مرتبة الأحديّة والتعيّن الأوّل أقرب وقلّت الوسائط بينه وبين موجده أو (٤) ارتفعت فهو إلى الحقّ من حيث الاسم «الباطن» والحضرة العلميّة الأحديّة أقرب.
والقرب الثاني هو من حيث اعتبار ظهور حكم الألوهيّة والتحقّق بصورتها ، فأيّ موجود كانت حصّته من الصورة أكثر ، وكان ظهور حقائق الألوهيّة فيه وبه أتمّ ، فهو إلى الحق من حيث الاسم «الظاهر» أقرب ، وحجبه أقلّ والمستوفي لما ذكر هو الإنسان الكامل ، فهو أقرب الخلق إلى الحقّ من هذه الحيثيّة وأعلمهم به ، ومرتبة البعد في مقابلة مرتبة القرب ، فاعتبر الأحكام فيها بعكس هذه ، تعرفها.
ولا تفاوت بين الموجودات ونسبتها إلى الحقّ بالقرب والبعد بغير ما ذكرنا ، وما سوى ذلك ممّا يسمّى قربا إلهيّا في زعم المسمّي فإمّا أن يكون قربا من السعادة ، أو بالنسبة إلى
__________________
(١) ق : جمعها.
(٢) ه : جمعها.
(٣) ق : تيسّر.
(٤) ق : و.