لها ، فحكم الضلال إذا منسحب على الجميع من (١) هذا الوجه ، ومن حيث إنّ ترتّب حكم الناس على أكثر الأشياء هو بحسب ظنونهم وتصوّراتهم ، مع اليقين الحاصل بالإخبار الإلهي وغيره (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) (٢) وسيّما في الله ، فإنّ الإحاطة لمّا كانت متعذّرة ، كانت منتهى حكم كلّ حاكم فيه إنّما هو بمقتضى ما تعيّن له منه بحسبه ، لا بحسب الحقّ من حيث هو لنفسه ، وما لم يتعيّن منه أعظم وأجلّ ممّا تعيّن ؛ لأنّ نسبة المطلق إلى المقيّد نسبة ما لا يتناهى إلى المتناهي ، بل لا نسبة بين ما تعيّن لمداركنا منه سبحانه وبين ما هو عليه في نفسه من السعة والعزّة والعظمة والإطلاق.
ثم إنّ المتعيّن أيضا منه لمّا لم يتعيّن إلّا بحسب حال القابل المعيّن وحكم استعداده ومرتبته (٣) علم أنّ القدر الذي عرف من سرّه لم يعلم على ما هو عليه في نفسه ، وبالنسبة إلى علمه نفسه بنفسه ، بل بالنسبة إلى استعداد العالم به وبحسبه.
وحيث ليس ثمّ (٤) استعداد يفي (٥) بالغرض ، ويقضي بظهور (٦) الأمر عند المستعدّ بهذا الاستعداد (٧) ـ كما هو الأمر في نفسه ـ فلا علم إذا ، وإذ لا علم فلا هداية ، وإن قيل بها ، فليس إلّا بالنسبة والإضافة.
وقد قال أكمل الخلق ـ لمّا سئل عن رؤيته ربّه ـ : «نور أنّى أراه؟». فأشار إلى العجز والقصور ، وقال أيضا في دعائه : «لا أحصي ثناء عليك» (٨) [أي] لا أبلغ كلّ ما فيك وأعترف بالعجز عن الاطّلاع على كلّ أمره ، وقال سبحانه منبّها على ذلك (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) (٩) ، (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (١٠) والقليل هذا شأنه ، فما ظنّك بما ليس بعلم عند العقلاء كلّهم ، ولهذا نهى الناس عن الخوض في ذات الله ، وحرّضوا (١١) على حسن الظنّ به وسيّما في أواخر الأنفاس.
__________________
(١) ق : على الوجه.
(٢) يونس (١٠) الآية ٣.
(٣) ه : مرتبه.
(٤) ق : ثمّة.
(٥) ق : نفى.
(٦) ق : بظهر.
(٧) ق : المستعدّ.
(٨) جامع المسانيد ، ج ٣٧ ، ص ١٨.
(٩) آل عمران (٣) الآية ٣٠.
(١٠) الإسراء (١٧) الآية ٨٥.
(١١). ق : خوضوا.