(قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) (١) ـ تنبيه وتأديب إلهي مانع من حصر الحقّ فيما أظهر وأخبر : «أدّبني ربي فحسّن أدبي» (٢) لا جرم كان صلىاللهعليهوآله كما ذكر عنه.
نعم ، ولنعد الآن إلى إتمام حال السائر المتوسّط ، وبيان سرّ حيرته ، فنقول : فالإنسان المشار إليه ـ بعد تعدّيه ما ذكرنا من المراتب والأحوال وأحكام الحيرة ـ إذا تأمّل ما بيّنّاه الآن فإنّه مع كشفه وجلالة وصفه يحار ؛ لأنّه يرى من فوقه كما ذكرنا ، ويعرف أنّ الحاصل له هو من فضلات تلك العطايا الأقدسيّة الحاصلة للكمّل ، فيقول : لو كان ما حصل لي ولمثلي يقتضي الطمأنية لذاته ، لكان الأعلى منّا بهذا الحال أجدر وأولى.
فحيث لم تقنعه (٣) ما رأى ما حصل ، دلّ [على] أنّ الذي هو فيه أوجب وأرجح وأفضل ، فتراه إذا ـ مع معرفة جلالة ما حصل له ـ لا يقف عنده ولا يركن إليه. وسيّما إذا رأى مشاركيه ، ومن وافقه في مطلق الذوق والكشف يزيّف بعضهم ذوق البعض ، ويرد بعضهم على بعض ، كموسى مع الخضر وغيرهما.
وكلّ يحتجّ بالله وبما علّمه الله ، والعدالة ثابتة والحقّ صدوق ، ولكلّ منه سبحانه قسط ، ولكن (فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) (٤) : (وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً) (٥) فما من طامّة إلّا وفوقها طامّة ، ولا تقف وسر ؛ فالطريق وراء الحاصل ، والأمر كما ترى و «عند الصباح يحمد القوم السّرى» (٦) والسلام.
واعلم ، أنّ السرّ فيما ذكرنا هو أنّ الخلق كلّهم مظاهر الأسماء والصفات ، ولكلّ اسم وصفة تجلّيات ، وعلوم أحكام وآثار تظهر في كلّ من هو في دائرته وتحت حكمه وتصريفه كما بيّنّا أنّ كلّ صنف من الموجودات إنّما يستند إلى الحقّ ، ويأخذ منه من حيثيّة اسم خاصّ هو سلطانه.
ولمّا كانت الأسماء متقابلة ومختلفة ، وكانت أحكامها وأذواقها وآثارها وأحوالها أيضا كذلك ظهر للّبيب (٧) ـ وإن لم يكمل كشفه بعد ـ أنّ سبب الاختلاف هنا هو سبب
__________________
(١) الأحقاف (٤٦) الآية ٩.
(٢) كشف المحجوب ، ص ٤٣٢.
(٣) ه : نقنعه.
(٤) يوسف (١٢) الآية ٧٦.
(٥) الأنبياء (٢١) الآية ٧٩.
(٦) معجم مستدرك الوسائل ، ج ٣ ، ص ٢٧٢.
(٧) ق : للبيت.