فلنشرع بعد في الكلام عليها ـ أعني الآية ـ بلسان الباطن ، فنقول ـ بعد الاكتفاء في الكلام على الصراط بما مرّ ـ : اعلم أنّ النعم الواصلة من الحقّ إلى عباده على قسمين : نعم ذاتيّة ، ونعم أسمائيّة ، فالنعم الذاتيّة هي : كلّ ما تطلبه الأشياء من الحقّ من حيث حقائقها بألسنة استعداداتها الكلّيّة الغيبيّة ، وهذه ألسنة الذوات ولا تتأخّر عنها الإجابة ، ولا تعويق (١) في حقّها ولا تكفير ، بل هي إجابة ذاتيّة كالسؤال في عين المسؤول ، وهذه النعم من حيث الأصل نعمة واحدة ، وتعدّدها إنّما هو من حيث تكيّفها وتنوّعها في مرتبة كلّ حقيقة وبحسبها.
والنعم الأسمائيّة على أقسام : فمنها نعم تثمر نعما ، كالأعضاء والقوى والآلات البدنيّة ، وكالصفات والأحوال الوجوديّة والمعنويّة ، وهي بأجمعها صور الاستعدادات الوجوديّة الجزئيّة ، فكلّ فرد فرد من هذا المجموع بالنظر إلى فقر الإنسان واحتياجه إلى الاستكمال والأسباب المعيّنة على تحصيله نعمة تثمر نعمة أو نعما ، والمجموع بالعناية الذاتيّة والاستعداد الكلّي الغيبي يثمر بالنسبة إلى الكمّل التحقّق (٢) بالكمال ، وبالنسبة إلى سواهم الكمال اللائق به ، المؤهّل له ، ومن آكدها بالنسبة إلى الأمر والمقام اللذين أتكلّم فيهما نعمة التوفيق الواصلة من الحقّ من حيث اسمه «الهادي» وهي على قسمين :
قسم يختصّ بالعلم وله باطن الإنسان وروحه والأعمال الروحانيّة ،
وقسم يختصّ بالعمل وله ظاهر الإنسان ولوازم ظاهريّته.
فالمختصّ بالعلم والعبادة الباطنة يثمر المشاهدات القدسيّة والأحوال الشهيّة الندسيّة واللذّات الروحانيّة والملاحظات الإحسانيّة والأنوار الإيمانيّة والرئاسات الربانيّة ولذّة الخلاص والسلامة من الشكوك المعضلة والشبه المضلّة ؛ فإنّ الطالب سبيل الرشاد إذا اعتورته الشكوك ، واجتذبته الآراء المختلفة والأهواء والاعتقادات المتشعّبة (٣) المشتّتة (٤) عزائم (٥) المتوجّهين المجدّين والمقرّحة (٦) أفئدة المفكّرين المتردّدين يكون في أشدّ العذاب
__________________
(١) ق : تفويض.
(٢) ق : المتحقّق.
(٣) ق : المنشعبة.
(٤) ه : المشتّتة.
(٥) ه : غرائم.
(٦) ه : المقرحة.