(وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) ، ثم قال : (وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ) ، ثم قال : (وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ) ، ثم ذكر قسما جامعا مستوعبا فقال : (وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ، ثم قال : (ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) ، [ثم قال : (أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ) الآية] (١) ثم قال : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) (٢).
فما قسّم سبحانه هؤلاء الأنبياء المذكورين هنا في ثلاث آيات ، ونعت الطائفة الأولى بالإحسان ، والثانية بالصلاح ، والثالثة (٣) بالوصف العامّ الذي اشترك فيه الجميع ، إلّا للتنبيه على (٤) أنّهم ـ مع اشتراكهم في النبوّة ـ على طبقات ، ثم جعل حالة الطبقة الرابعة ممتزجة من أحكام هذه الطبقات الثلاث ومن غيرها ، فاجمع بالك ، وتذكّر ما نبّهتك عليه من قبل ، واستحضر (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) (٥) مع اشتراكهم في نفس الرسالة التي لا تفريق فيها (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) (٦) ، وتنبّه للمراتب الأربع المذكورة وهي : النبوّة ، والصدّيقيّة ، والشهادة ، والصلاح ، تعرف كثيرا من لطائف إشارات القرآن العزيز ـ إن شاء الله ـ فهذه الآيات شارحة من وجه المراد من قوله : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) إلى آخر السورة.
وأمّا (الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) فورد في الشريعة أنّهم اليهود ، [أن] و (الضَّالِّينَ) هم النصارى. وإذا عيّن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ بعض محتملات ألفاظ الكتاب العزيز ، فلا عدول عنه إلى محتمل آخر أصلا ، فاعلم ذلك.
وإذ قد يسّر الله ذكر ما شاء ذكره في ظاهر هذه الآية من المباحث النحويّة واللطائف الشرعيّة القرآنيّة مع نبذ عزيزة من غامضات الأسرار جاءت فجأة ، فلم يمكن منعها وكتمها ،
__________________
(١) ما بين المعقوفين غير موجود في ق.
(٢) الأنعام (٦) الآية ٨٤ ـ ٩٠.
(٣) ق : والثالث.
(٤) ه : لا توجد.
(٥) البقرة (٢) الآية ٢٥٣.
(٦) البقرة (٢) الآية ٢٨٥.