لم يعلم مراده ،
فكلّ تعريف إذا لا يخلو عن حكم العهد بالاعتبار المذكور.
ولا شكّ أنّ الألف
واللام ها هنا لتعريف العهد ، فإنّه قد تكرّر التنبيه على ذلك عند ذكر الكمّل من
الأنبياء ، حيث قال سبحانه : (أُولئِكَ الَّذِينَ
هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) وذكر التأسّي أيضا بالجمع والإفراد في غير موضع وهو الاقتداء ، وبعد
تعريفه سبحانه عباده أنّ نبيّه صلىاللهعليهوآله يهدي إلى صراط مستقيم ، نبّههم وأخبرهم أنّهم إن كانوا
صادقين في دعواهم محبّة ربّهم ، فليتّبعوه يحبّهم الله ، وهذا من الاقتداء أيضا
الذي هو المشي على الصراط.
قوله : (الْمُسْتَقِيمَ) نعت للصراط ، والمراد بالمستقيم هنا استقامة خاصّة نذكر
سرّها وسرّ أربابها ، وأقسامهم فيما بعد ، وإلّا فما ثمّة صراط إلّا والحقّ غايته
، كما ستعرفه ـ إن شاء الله ـ
ولنشرع بعد في
الكلام على أسرار هذه الآية على جاري السنّة الملتزمة ، فنقول أوّلا :
اعلم ، أنّ
للهداية والإيمان والتّقى وأمثالها من الصفات ثلاث مراتب : أولى ، ووسطى ، ونهاية
، قد نبّه عليها سبحانه في مواضع من كتابه العزيز ، وعاينها ، وتحقّق بها أهل الكشف والوجود ، فمن ذلك قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا
وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) ، وقوله : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ
لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) ، فنبّه بذلك كلّه الألبّاء ليتفطّنوا أنّ بعد الإيمان بالله
والإقرار بوحدانيّته درجات في نفس الإيمان والهداية والتقى ونحو ذلك ، وإلى تلك
الدرجات الإشارة بالزيادة ، كقوله : (لِيَزْدادُوا
إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ) وكقوله في أهل الكهف : (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ
آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً) .
ولمّا لم يعلم أهل
الظاهر من العلم هذه الدرجات ولم يعاينوها ولم يتحقّقوا بها ، اختبطوا في هذه
الأمور ، وقالوا : الصفات معان مجرّدة لا تقبل النقص والزيادة ، فشرعوا في التأويل
، وهاموا في كلّ واد من أوديته.
__________________