لهم من جنابه العزيز على يدي من وصل ، ومن أيّ مرتبة (١) من مراتب أسمائه ورد ، بواسطة معلومة وبدونها ، متلقّين له بحسن الأدب ، وازنين له بميزان ربّهم العامّ تارة ، والخاصّ تارة ، لا بموازين عقولهم ؛ فأرباب هذه الصفات هم المؤهّلون للانتفاع بنتائج الأذواق الصحيحة ، وعلوم المكاشفات الصريحة.
ومن كان حاله ما وصفناه فلا نحتاج معه إلى التقريرات النظريّة ونحوها ، ممّا سبقت الإشارة إليه ، فهو إمّا مشارك يعرف صحّة ما يخبر به بما عنده منه ، للاستشراف بعين البصيرة على الأصل الجامع المخبر به وعنه ؛ وإمّا مؤمن صحيح الإيمان والفطرة ، صافي المحلّ ، ظاهره يشعر بصحّة ما يسمع من وراء ستر رقيق اقتضاه حكم الطبع وبقيّة الشواغل والعلائق المستجنّة في المحلّ ، والعائقة له عن كمال الاستجلاء ، لاعن الشعور المذكور ، فهو مستعدّ للكشف ، مؤهّل للتلقّي ، منتفع بما يسمع ، مرتق بنور الإيمان إلى مقام العيان.
فلهذا اكتفى بالتنبيه والتلويح ، ورجّحا على البسط والتصريح ، اختيارا وترجيحا لما رجّحه الحقّ سبحانه واختاره في كلامه العزيز لرسوله صلىاللهعليهوآله ، وأمره به حيث قال له : (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) (٢) ، ولم يأمره بإقامة المعجزة وإظهار الحجّة على كلّ ما يأتي به ويخبر عنه ، عند كلّ فرد فرد من أفراد المخاطبين المكلّفين ، مع تمكّنه صلىاللهعليهوآله من ذلك ؛ فإنّه صاحب الحجج الإلهيّة الباهرة والآيات المحقّقة الظاهرة ، ومن أوتي جوامع الكلم ، ومنح علم الأوّلين والآخرين ، بل إنّما كان ذلك منه بعض الأحيان مع بعض الناس في أمور يسيرة بالنسبة إلى غيرها.
والمنقول أيضا عن أوائل الحكماء ـ وإن كانوا من أهل الأفكار (٣) ـ نحو هذا [و] أنّهم إنّما كان دأبهم الخلوة والرياضة والاشتغال على مقتضى قواعد شرائعهم التي كانوا عليها ، فمتى فتح لهم بأمر ذكروا منه للتلاميذ والطلبة ما تقتضي المصلحة ذكره ، لكن بلسان الخطابة لا التقرير البرهاني ، فإن لاحت عندهم مصلحة ترجّح عندهم إقامة برهان على ما أتوا به وتأتّى لهم ذلك ساعتئذ ، قرّروه (٤) وبرهنوا عليه ، وإلّا ذكروا ما قصدوا إظهاره للتلامذة ، فمن
__________________
(١) ق : مرتبتين.
(٢) الكهف (١٨) الآية ٢٩.
(٣) ق : الأذكار.
(٤) ب : قرّورة.