ومع التمكّن ممّا ذكرته ، وكون الأمر كما بيّنته فإنّي لا أتعرّض لتقرير ما يرد ذكره في هذه القواعد وما بعدها بالحجج الشرعيّة والأدلّة النظريّة والذوقيّة ، تعرّض من يلتزم ذلك في كلامه.
لكن إن قدّر الحقّ تقرير أمر في أثناء الكلام ، ذكرت ذلك ؛ تأنيسا للمحجوبين ، وتسكينا للضعفاء المتردّدين ، وتذكرة للمشاركين ، لكن (١) أقدّم في أوّل التمهيد فصلا أنبّه فيه على مرتبة العقل النظري ، وأهل الطلب الفكري ، وما ينتهي الفكر بصاحبه ؛ ليعلم قلّة جدواه وسرّه ، وثمرته وغايته ، فيتحقّق من يقف على هذا الكتاب وغيره من كلام أهل الطريق (٢) أنّه لو كان في الأدلّة الفكريّة والتقريرات الجدليّة غناء أو شفاء ، لم يعرض عنها الأنبياء والمرسلون ـ صلوات الله عليهم ـ ولأورثتهم من الأولياء القائمون بحجج الحقّ ، والحاملون لها ـ رضي الله عنهم ـ.
هذا مع أنّ ثمّة موانع أخر غير ما ذكرت ، منعتني عن (٣) سلوك ما إليه في كلامي أشرت : منها : أنّي لم أوثر أن أسلك في الكلام المتعلّق بتفسير كتاب الله مسلك أهل الجدل والفكر (٤) ، لا سيّما وقد ورد حديث نبوي يتضمّن التحذير من مثل هذا وهو
قوله صلىاللهعليهوآله : «ما ضلّ قوم بعد هدى كانوا عليه إلّا أوتوا الجدل» (٥) وتلاوته بعد ذلك : (ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً) (٦) الآية.
ومنها : طلبي للإيجاز.
ومنها : أنّ قبلة مخاطبتي هذه بالقصد الأوّل هم المحقّقون من أهل الله وخاصّته ، والمحبّون لهم ، والمؤمنون بهم وبأحوالهم من أهل القلوب المنوّرة الصافية ، والفطرة (٧) السليمة ، والعقول الواقدة الوافية ، الذين يدعون ربّهم بالغدوة والعشىّ يريدون وجهه (٨) ويستمعون القول فيتّبعون أحسنه (٩) بصفاء طويّة ، وحسن إصغاء بعد تطهير (١٠) محلّهم من صفتي الجدل والنزاع ونحوهما ، متعرّضين لنفحات جود الحقّ ، مراقبين له ، منتظرين ما يبرز
__________________
(١) ق : لكنّي.
(٢) ق : الطريق الله.
(٣) ق : من.
(٤) ق : الفكر والجدل.
(٥) جامع المسانيد ، ج ١٣ ، ص ٢١٧.
(٦) الزخرف (٤٢) الآية ٥٨.
(٧) ق : الفطر.
(٨) إشارة إلى الآية ٥٢ من الأنعام (٦).
(٩) إشارة إلى الآية ١٨ من الزمر (٣٩).
(١٠) ق : تطهر.