ما ذكرنا ؛ لما سبق التنبيه عليه في سرّ القرآن ، وأنّ له ظهرا وبطنا وحدّا ومطلعا ، ولبطنه بطن إلى سبعة أبطن وإلى سبعين.
وإذا تقرّر هذا ، فلتعلم أنّ للفظة «الدّين» في اللسان عدّة معان ، منها الجزاء ، والعادة ، والطاعة ، والشأن ، و «دانه» في اللغة : أذلّه واستعبده وساسه وملكه. والديّان : المالك ، والدين : الإسلام أيضا ، فهذه المعاني كلّها تتضمّنها لفظة «الدّين» وهي بأسرها مقصودة للحقّ ، لكمال كلامه وإطلاقه وحيطته ، وتنزّهه عن التقيّد بمفهوم خاصّ ، أو معنى معيّن ، كما مرّ بيانه.
وأنا أومئ ـ إن شاء الله ـ إلى ما ييسّر الحقّ ذكره من معاني هذه الكلمات (١) بإشارات وجيزة كما فعلت ذلك فيما مرّ ، ثمّ أبيّن معاقد أحكام هذه الآية من حيث الترتيب ، وسرّ انتهاء القسم الأوّل من أقسام الفاتحة بانتهاء هذه الآية ، ثم أنتقل إلى الآية الأخرى المشتملة على القسم الثاني ـ إن شاء الله تعالى ـ فلنبدأ أوّلا بشرح الجزاء الذي هو المفهوم الأوّل القريب من هذه الكلمة في هذا الموضع ، مع أنّي أدرج فيه نكتا شريفة تنبّه على جمل من أسرار أحوال الآخرة وغيرها ، فمن أمعن النظر فيما نذكره بنور الفطرة الإلهيّة ، استشرف على أمور جليلة ، عظيمة الجدوى ، والله الهادي.
اعلم ، أنّ الحقّ سبحانه ربط العوالم والموجودات ـ جليلها وحقيرها ، كبيرها وصغيرها ـ بعضها بالبعض ، (٢) وأوقف ظهور بعضها على البعض ، وجعل بعضها مرائي ومظاهر للبعض ، فالعالم السفلي بما فيه مرآة للعالم العلوي مظهر لآثاره ، وكذلك العالم العلوي أيضا مرآة تتعيّن وتنطبع فيه أرواح أفعال العالم السفلي تارة ، وصورها تارة ، والمجموع تارة أخرى ، وعالم المثال الكلّي من حيث تقيّده في بعض المراتب ، ومن حيث عموم حكمه وإطلاقه أيضا مرآة لكلّ فعل وموجود ومرتبة ، وانفرد الحقّ سبحانه بإظهار كلّ شيء على حدّ علمه به ، لا غير ، وجعل ذلك الإظهار تابعا لأحكام النكاحات الخمسة ، التابعة للحضرات الخمس ، وقد سبق التنبيه على كلّ ذلك ، فظهور الموجودات ـ على اختلاف أنواعها وأشخاصها ـ متوقّف على سرّ الجمع النكاحي ، على اختلاف مراتبه المذكورة ، وأحكامها
__________________
(١) ق : الكلمة.
(٢) ق : على البعض.